Atwasat

الأكثرية والأقلية في القرآن

فؤاد سيالة الأربعاء 15 نوفمبر 2017, 08:47 صباحا
فؤاد سيالة

قرأت أن إحداهن قد أوردت آيات من قرآن ربي من مثل:
"أكثر الناس لا يعلمون"
أكثر الناس لايفقهون"
أكثر الناس يجهلون:
أكثر الناس لا يشكرون"
أكثر الناس لا يؤمنون"
وذلك بغرض التدليل على أن الأكثرية في القرآن وردت في معرض الذم وليس المدح، على العكس من الأقلية! فهل هذا صحيح؟.

التدليل على أن الأكثرية في القرآن وردت في معرض الذم قال به منذ القدم كل من أراد إيجاد مبررات قرآنية لاحتقار الأكثرية لصالح الأقلية، ولمصلحة الصفوة، الحاكمة سياسةً، أو المتحكمة علماً شرعياً، أو المترفعة مكانةً

إن ما أتت به أختنا هذه ليس جديدا بطبيعة الحال، فلقد قال به منذ القدم كل من أراد إيجاد مبررات قرآنية لاحتقار الأكثرية لصالح الأقلية، ولمصلحة الصفوة، الحاكمة سياسةً، أو المتحكمة علماً شرعياً، أو المترفعة مكانةً اجتماعيةً. كل هؤلاء فسروا الآيات الكريمات التي وردت في مقام ذم الأكثرية بما يوافق هواهم. فسروها كما شاءوا ليبينوا فضل الأقلية على الأكثرية. ولكن هؤلاء، في تفسيراتهم ذات الهوى هذه، شاءوا أن يُغِّيبوا آيات كريمات أُخر تعاكس خطتهم تماما!. فتجد أن الواحد منهم يسارع إلى تجاوز تلاوة آيات وضيئة متلألئة من مثل:
"وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَىٰ قَالَ يَا مُوسَىٰ إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ" القصص:20
"فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَىٰ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ" هود:27
"وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَىٰ آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ" ص:6
"قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ" الأعراف:60
"قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَٰذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ" الأعراف:109
"فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَٰذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً مَا سَمِعْنَا بِهَٰذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ" المؤمنون:24

كل هذه الآيات الكريمات تتحدث عن أفعال يقوم بها "الملأ"، فمن هم الملأ؟.

يقول الإمام محمد متولي الشعراوي، رحمه الله ورضي عنه وأرضاه، إن الملأ (هم السادة الأشراف الأعيان الذين يملأون العين هيبة، والقلوب مهابة)، ولا أظن عاقلا يشك أن السادة الأشراف الأعيان في أي مجتمع هم الأقلية فيه الذين يشار إليهم بالبنان. فالملأ هم القلة والصفوة، ولنقل أنهم النخبة بتعبير العصر!. فلماذا لا يتلو علينا أعداء الأكثرية هذه الآيات التي تتحدث عن الأقلية؟. ببساطة شديدة، لأن الأقلية الموصوفة في هذه الآيات مذمومة!.
إن في القرآن من الآيات التي يرد فيها ذم الأقلية مثل مافيه من آيات تذم الأكثرية. فما حقيقة الأمر؟. هل الأكثرية مذمومة في القرآن، أم أنها هي الأقلية التي تذم؟.

الدارس للقرآن الكريم سيكتشف بسهولة شديدة ما يدل عليه العقل: الأكثرية من حيث هي أكثرية ليست مناط مدح أو ذم، وكذلك هي الأقلية من حيث هي أقلية. كلاهما قد تُمدَحُ أو تُذَمُّ، ولكن باعتبارات خارجة عنهما

إن الدارس للقرآن الكريم الذي يبحث عن الحق ولا يغلبه هواه سوف يكتشف بسهولة شديدة ما يدل عليه العقل: الأكثرية من حيث هي أكثرية ليست مناط مدح أو ذم، وكذلك هي الأقلية من حيث هي أقلية. كلاهما قد تُمدَحُ أو تُذَمُّ، ولكن باعتبارات خارجة عنهما. بل إن هناك من الشواهد في الكتاب الكريم ما يوحي بأن الأكثرية هي محط الإعجاب!. انظر إلى قول الحق سبحانه وتعالى:
"قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" المائدة: 100

هنا تجد التصريح واضحا لا لبس فيه: الكثرة مثار للإعجاب، ولو كان الكثير خبيثا. وانظر إلى قوله تبارك وعلا:
"وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ"

هنا يتفق معظم المفسرين على أن الله يمُنُّ على المسلمين المستضعفين في مكة بأنه كَثَّرهم بالهجرة إلى المدينةِ.

إن الإسلام هو دين الفطرة بلا جدال، يقبل فطرة الإنسان التي خلقه الخالق عليها ولايعارضها، ويؤسس شريعته عليها. ولا مِراءَ أيضا أن تفضيل الأكثرية على الأقلية بشكل عام وبغض النظر عن الحالات والاستثناءات الخاصة هي مسألة فطرية عند كل بني الإنسان، مسلمين وغير مسلمين. فالبشر يتبعون الأكثرية عندما يعرِضُ لهم ما يوجب الاختيار، إذ إنه، بداهة وفطرة، حيثما كانت الكثرة في الرأي وفي الاختيار وفي الموقف فالصواب في الكثرة أكثر مما هو في القلة.

فإذا كان الاعتبار بمجرد القلة والكثرة فقط، فإنه في أمة الحق، أمة محمد، لايكون الاعتبار إلا للأكثرية، وذلك لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تجتمع أمتي على ضلالة).
والله أعلم بمراد الله.