Atwasat

مـنـشـفة السنفاز

نورالدين خليفة النمر الأحد 17 سبتمبر 2017, 10:15 صباحا
نورالدين خليفة النمر

الكاتب الليبي الذي لايقرأه العرب لدواعٍ ليبية محضة غيرُ مضطرٍ لشرح عنوان مقاله الذي يفهم معناه ودلالته الليبيون الذين اضطرت بعضهم، ربما الأقدار الليبية المؤسفة اليوم، أن يقرأوا مقالات كُتابهم الذين لايعرفونهم في ليبيا التي يجهلونها وتجهلهم.

اصطناع ليبيا كمشكلة انقسامية وتداولها منذ أحداث فجر ليبيا الدموية 2014 كقضية سياسية في محافل دولية، وإقليمية متداخلة الاهتمامات والمصالح يرجع بذاكرتنا السياسية إلى تاريخ إصدار الأمم المتحدة القرار رقم (289) الخاص باستقلال ليبيا بأغلبية ساحقة 46 دولة مؤيدة وعدم اعتراض أي دولة مع امتناع تسع دول عن التصويت، والذي بموجبه عينت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10 ديسمبر 1949م المفوض الأممي العام الهولندي ”أدريان بلت” مندوباً لها في ليبيا لتهيئتها للحصول على الاستقلال، كما عينت الجمعية العامة ست دول لإسداء النصيحة لمبعوثها فيما يتعلق بتقرير المصير الليبي وهي: بريطانيا، وفرنسا، وإيطاليا والاتحاد السوفييتي، أُلحقت بهم مصر الملكية الخاضعة للنفوذ البريطاني، والباكستان الإسلامية الوليدة بعملية قيصرية من رحم الهند بالمخطط الإنجليزي فرّق تَسُد، على أن يختار "بلت" أربعة أعضاء ليبيين يُرّشحون بالتشاور مع الزعامات الليبيية النافذة، فصار المجلس الاستشاري الخاص بليبيا يتكون في مجموعه من عشرة أعضاء، وهو ما بات يعرف "بمجلس العشرة"، الذي سُمّي مرشحوه النواب عن الدول المذكورة آنفاً.

صدر القرار الأممي بعيد إسقاط مشروع بيفن ـ سفورزا المنتوي تقسيم ليبيا إلى ثلاث ولايات تحت ثلاث وصايات بريطانية، إيطالية، وفرنسية كرّسها المآل الليبي وتداخل وقائعيته مع أقدار الدول الأوروبية المنهزمة والمنتصرة في الحرب العالمية الثانية.

لم تُسقط بيفن ـ سفورزا كما توّهم ويتوّهم الليبيون حتى اليوم مظاهرات طرابلس الشعبية التي أشعلتها أحزاب وطنية كحزب المؤتمر والكتلة الوطنية وغيرها، ولا اتصالات وترتيبات عضو الوفد الليبي "البرقاوي" الذي ربطته علاقة شخصية مُدّعاة بمندوب دولة هاييتي إميل سان لو، بل الذي كان سبباً فعلياً للسقوط الرغبة الدولية، وكان مندوب هاييتي لها مجرد أداة. وهذه الرغبة مظهرتها أمريكا التي شرعت في تغيير سياستها الانعزالية والتخطيط لاستراتيجية ما بعد الحرب التي تدعمها قواعدها العسكرية في أوروبا بالذات الدولتين المنهزمتين ألمانيا وإيطاليا وقاعدتها على تخوم مدينة طرابلس العاصمة الكولونيالية السابقة "ويلس" المعروفة باسمها المحلي "قاعدة الملاّحة".

بصوت مندوب جزيرة هايتي أسقطت أميركا مشروع بيفن ـ سفورزا وماهت في المخيّلة الليبية الأميّة بمعارف الجغرافيا الجزيرة بقارة أفريقيا، رغم وقوعها في البحر الكاريبي وقد اكتشفها كولمبوس في المحيط الأطلسي الغربي عام 1492 وأخدت أعوام 1911 ـ 1915 اسم الدولة الفاشلة كما ليبيا اليوم، ممّا دفع الولايات المتحدة الأميركية إلى احتلآلها الأعوام 1915 ـ 1934 ثم حاقت بها سلسلة من الانتخابات الصورية والانقلابات العسكرية 1934 ـ 1957 انتهت بتولي الرئيس دوفلييه وورثته الحكم 1957 ـ 1986.

دولة هاييتي وأشباهها اختفت من قرار الجمعية العامة رقم (289) المُسمّى"بمجلس العشرة"، وهذا التغييب تبيّن في استبعاد قارة أميركا اللاتينية التى أظهرت دولها الأعضاء انحيازاً لاتينياً إلى مصالح إيطاليا في مستعمرتها الليبية السابقة، واستبعاد قارّة أفريقيا التي مازالت قبائلها ترزح منقسمة بين الاستعمارات الأوروبية، ونظراً للبعد الإسلامي المأخوذ في الاعتبار الدولي حتى ذلك الحين أاختيرت لرمزيتها الشكلية دولة الباكستان الإسلامية التي انسلخت عن الهند لتسقط طوعياً في الأحلاف الأميركية القادمة. أمّا مصر فإنها اختيرت بسبب حيازتها لحسابات بريطانية مقرّ الجامعة العربية التي توّلى رئاستها عبدالرحمن عزّام المصري ولضلوعه في المأزق الانقسامي الليبي ونزاعاته الزعامية منذ عام 1915 اُتخد قناة تواصل مع بعض الزعامات الليبية للوقوف ضدَّ الجمعيّة الوطنيّة الِلّيبيّة التأسيسيّة بقرار أصدره لحساب المصالح المصرية عن الجامعة العربيّة في 17 مارس 1951. أما مسألة تقرير المصير الليبي فتركت للدولتين المنتدبتين على ليبيا ولهما وجود عسكري فيها، أي بريطانيا وفرنسا وإيطاليا الدولة المستعمرة السابقة التي اُستعيض عن وجودها العسكري بجالية مدنية كبيرة المصالح في طرابلس الغرب، والاتحاد السوفييتي حليف أوروبا في الحرب العالمية الثانية والشريك الدولي لأميركا في رسم ملامح عالم مابعد الاستعمار.

بمايخدم مصالحها الاستراتيجية في ليبيا ومنطقة الشرق الأوسط ، قدّمت أميركا استقلال ليبيا، مشروعاً بديلاً عن المشروع التقسيمي الوصائي الأوروبي "بيفن ـ سفورزا" اسمه الدولة الليبية المستقلّة المتحدة عام 1951 وهو منتوج تمخّض بعد مداولات ومفاوضات طويلة ومرهقة لجميع أطراف القضية الليبية فيما وصفه عنوان كتاب الباحث في التاريخ الليبي الذي عاصر الحدث الاستقلالي شابّاً مفتاح السيد الشريف بـ "مسيرة الحركة الوطنية ـ ليبيا الصراع من أجل الاستقلال“. الكاتب الشريف أهداني في ديسمبر عام 2011 كتابه وأتاحت لي عطلة أعياد الميلاد قراءته ورقة ورقة وهو مجلّد ضخم يحوي كمّا كبيراُ من الوثائق والمحاضر والمراسلات والاستشهادات ممن كتبوا في موضوعة إعلان استقلال ليبيا وتأسيس دولتها الحديثة في 24 ديسمبر عام 1951. في المحاضر المملة والطويلة المداولة للقضية الليبية في المحفل الأممي التي تتبعها الباحث وترجم محتوياتها بصبر يُحسد عليه تلفت القارئ الرصين جملة من المظاهر السياسية المنبئة عن حظوظ ليبيا السعيدة بنيلها استقلالها المجيد دون أن تكون منشفة السنفاز "الفطائري" التي يمسح الآكلة الذين "يسووا والذين لايسووا" قيمة في معيار سياسة الدول أيديهم فيها من دهون الزيت المحروق الذي لصق بها.

هذه توطئة تاريخية لليبيين الذين لم يقرأوا تاريخهم الذي يتجدّدُ اليوم أمام انظارهم المعشّاة برذاذ وهذر ساستهم الملفّقين فيما تداولوه في كلماتهم في مباحثات القمم الخاصة بالأزمة الليبية بعد 2014 وآخرها قمة برازافيل بالكونغو 9 سبتمر 2017 والذين مثلّوا مكوّناتهم المؤسسية الثلاثة المنتقصة المشروعية الأخلاقية والتمثيلية ـ الديمقراطية: المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، ومجلس النواب، والمجلس الأعلى للدولة وتلكأ قائد مُسمى الجيش الليبي عن الحضور. الوفود الثلاثة علّقت على مشجب دُكان السنفاز الأفريقي منشفتهم الليبية المتسخة من أيدي من سبقوا بدهن وبقع الزيوت المحروقة ليمّد الآكلة الأفارقة أصابعهم كغيرهم في فطيرة السفنز الليبية الشهية التي ربما يعرفها الأفارقة بأسماء محلية أخرى.

بلورت قمة برازافيل، إطارية متعجّلة للأجسام الليبية الثلاثة المؤزّمة للقضية البرلمان والمجلس الأعلى للدولة، والمجلس الرئاسي، وغاب تلفيق مُسمّى قيادة الجيش الليبي. المؤسسية الأفريقية كانت البديل عن مؤسسات إقليمية أخرى لم يعد لها معنى في الأزمة الليبية كالجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، وغرض القمة مساعدة المبعوث الأممي لليبيا غسان سلامة بروتوكولياً حتى يتسنى تقديم رؤيته الليبية للاجتماع الوزاري السداسي بشأن الأزمة في ليبيا، الذي يحضره للمرّة الأولى وزير الخارجية الأميركي الجديد، إلى جانب وزراء خارجية الدول النافذة في التأزم الليبي بريطانيا وفرنسا، وإيطاليا، مُلحق بهم وزيرا الإمارات، ومصر ربما لإعلان تهميشهما من المهمة الليبية كما اُستُبعدت لانعدام الاختصاص أطراف أخرى كانت ضالعة في القضية الليبية، بالتوافق مع فرنسا، كالجزائر وقطر وتركيا لاعتبارات تأزمها السياسي الداخلي.

مارشح من تصريحات عن أطراف مؤتمر لندن عن بوابة الوسط الخميس 14 سبتمبر 2017 يبرز تصريح الوزير البريطاني المُضيّف، فطيرة "Pancakes" إنجليزية بديلة عن "السفنزة" الليبية مكوّناتها وضع دستور لليبيا مقبول أساساً تُجرى عليه الانتخابات الرئاسية ربما العام القادم 2018 ، والتأسيس لاتفاق أمني وسياسي في ليبيا بمشاركة، أو بالأحرى تُجبر على المشاركة فيه، كل الأطراف النزاعية الليبية، الممثل الأممي في ليبيا عليه أن يضع الخطوط العريضة لتنفيذ هذا الاتفاق المبدئي بين الدول "الأوروبية" المجتمعة وراعي اتفاقها وزير الخارجية الأميركي والتي تأمل أن يحظى هذا المشروع بدعم أوسع من قبل الدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة.

ملاحظة للقاريء العربي : بشأن كلمة"السفنز" ومغزى التحوير اللهجي الليبي لاسم حيوان "الإسفنج البحري " يُنظر الرابط https:// www.almrsal .com