Atwasat

وتبدد الحلم

صفي الدين هلال الشريف الثلاثاء 12 سبتمبر 2017, 10:24 صباحا
صفي الدين هلال الشريف

كان حلمنا
ظللنا نحلم بإزالة الكابوس لأكثر من أربعة عقود، وأخيراً تحقق الحلم وأصبح حقيقة، وذهب القذافي ونظامه غير مؤسوف عليهما وانتهت أعتي دكتاتوريات العالم.. لكن هناك نقطة، الحلم لم يتحقق بالكامل. لا يزال جزء من الكابوس يُراود مخيلتنا!. عندما كنا نحلم بانتهاء الكابوس كنا نحلم أيضاً ببناء دولة المؤسسات، دولة القانون، دولة التداول السلمي على السلطة، دولة القضاء المستقل، دولة العدالة والمساواة الحقيقية، وليس الشعارات والهُتافات الزائفة. بعد إعلان التحرير والخطاب المخيب للآمال!. ذهبنا إلى صناديق الاقتراع لأول مرة ولجيلنا بالذات.. ذهبنا فريحين والدموع تملأ مآقينا، انتخبنا أشخاصا كنا نعتقد أنهم سوف يكونون رجال المرحلة ويؤسسون دولة لها سيادة امتدادً لدولة ليبيا الاستقلال 1951م التي أسسها الأجداد والآباء الوطنيون ودستورها الرائع، ونصبح دولة لها سيادتها ونضاهي دول العالم في التنمية والإعمار وباقي المجالات الأخرى.

البداية المخيبة للأمال
وكانت البداية بالمؤتمر الوطني الذي جاء مخيباً لجميع آمالنا وأحلامنا، وبدل أن يلتفوا حول الوطن التفوا حول أحزابهم وتكتلاتهم والتطلع إلى المزايا والمرتبات.. ومن داخل قبة المؤتمر الوطني بدأت المؤامرات علي الوطن وعرقلة الدستور وضد بناء الجيش والشرطة، والصراع بين الأحزاب على تشكيل الحكومات لكي يُهيمنوا علي مقاليد السلطة والثروة وكان هذا أكبر همهم، حيث صرفت المليارات في غير طاعة الله وإرسال الموالين لهم لتمثيلنا في سفاراتنا في الخارج. وكمثال آخر بعض النائبات في المؤتمر أرسلن أزوجهن للعمل في السفارات وهم لا يملكون أي مهارات في العمل في هذا المجال، فعلاً جاء المؤتمر الوطني كأول كيان عبر صناديق الاقتراع مخيباً لآمالنا وأحالمنا... قرارات كانت في منتهي الظلم خرجت عبر هذا المؤتمر. صراعات بين أعضائه وصلت إلى حد الشتم والسب وبصق بعضهم علي بعض "أخلاقنا لا تسمح بهذه التصرفات". هذا المؤتمر سئ الإدارة يستنسخ نفس السياسة مؤتمر الشعب العام... تشكلت الكيانات والتكتلات تحت قبة ريكسوس لضرب بعضهم بعضا، لا لمصلحة الوطن، صراعات جهوية وحزبية أودت بالبلاد إلي الهاوية "هذا ما صرح به أحد أعضاء هذا المؤتمر"، جماعة المقاتلة والقاعدة وقفوا وبالقوة ضد بناء مؤسسات الدولة المدنية وسعوا في جلب المقاتلين الأجانب رفاق الأمس في تورا بورا وكابول ليقفوا صفاً واحد ضد بناء الدولة المدنية ذات السيادة، جاء من خلال هذا المؤتمر حكومتان كان أداؤهما ضعيفا وقوبلتا بحرب من التكتلات المعارضة وقفت حجر عثرة وكانت عائقا لكل القرارات التي لم تخدم مصالحها وكياناتها.

تبدد الحلم واستمر الكابوس
واستمر مسلسل الاغتيالات والخطف القسرى والقتل والسجون السرية والتعذيب وانتهاك حقوق الإنسان أمام مرأى ومسمع الجميع ولم يحركوا ساكناً "تصريحات واهية لكسب الوقت ليس إلا" الاغتيالات وخاصة في مدينة بنغازى الجريحة، فاقت قمم الجبال وتحصد يومياً خير شبابها ورجالها، بل وطالت أيادي الغدر حتي نساءها الآمنات في بيوتهن، وقُتل الأطفال بأبشع الصور... وتخريب وتدمير مؤسسات الدولة من محاكم ومراكز أمنية... أعضاء المؤتمر المتشددون يجلسون مع من ينهب الأموال في سرت ويغتال في بنغازى وبدون أي نتائج تذكر علي الملأ.. بل وصل بهم الأمر حد التستر والدفاع عن المجرمين الإرهابيين ووصفهم بالثوار وأن من حقهم الدفاع عن ثورة فبراير وأهدافها ومكتسباتها "مسلسل الثوار وما أدراك ما الثوار" وما نخشاه أن تنتقل عدوى مكتب الاتصال واللجان الثورية إلى الثوار ويصبحوا خطا أحمر لا يجوز المساس به ومحظورا... كل هذه الأحداث وأعضاء المؤتمر الوطني وحكوماته كأنهم أخشاب مسندة.

نشر غسيلهم الوسخ
هنا بدأ أعضاء المؤتمر الهزيل نشر فضائح بعضهم البعض وعبر إذاعاتهم المفتنة التي زادت الطين بلة وبدأ مسلسل التشهير والفضح من التلاعب بالبترول والفساد المالي والإداري، حسب قولهم مليارات صُرفت علي أثاث مكتبي وقرطاسية، أما ملف علاج الجرحي وما أدراك ما الجرحي ولجان الجرحي.. وما تركه بعض الجرحي من سمعة سيئة للوطن والثوار يحتاج إلى مقال آخر.. بل وصل بهم الأمر إلى اتهام بعضهم بالانتماء إلى أجهزة مخابرات أجنبية، والخلافات بين أعضاء المؤتمر وتكتلاته وأحزابه أثرت على آداء الحكومات الضعيفة أصلاً مما زاد الطين بلة وفاقم وضع الدولة والفساد بشتي أنواعه.

الصراع علي السلطة والثروة
بعد المد والجزر والخروج في "لا للتمديد" حتى وصل الأمر الى الرماية على المتظاهرين وقتلى وجرحى بالعشرات في ربوع الوطن.. خرج الشعب من جديد في انتخابات مجلس النواب وانتخبت مدن ليبيا مرشحيها.. باستثناء بعض المدن لدواعٍ أمنية، ومنها علي سبيل المثال مدينة الثقافة والفن درنة، فمن يتحكم بها لا يعترف بالانتخابات، وبايعوا البغدادي أمير الدولة الإسلامية.. ولكن بعض من الساسة والمحللين السياسيين وقادة أحزاب الإسلام السياسي (هداهم الله ) يَدعون عدم وجود إرهابيين بل هم مجلس شورى ثوار درنه، ما يحصل اليوم في درنه من قطع للرؤوس وإبادة عائلات بالكامل وخطف وابتزاز ومقايضة بالمال دليل صارخ علي وجود إرهاب حقيقي وفعلي.. انتخاب مجلس النواب المخيب للآمال هو أيضاً وبآداء أسوأ من سابقه في هروب بعض نوابنا إلى خارج الوطن والتسابق في المزايا والرواتب والسفر والرحلات.. الصراع بدأ علي أشده في البلاد وبوادر الانقسام أصبحت تلوح في الأفق بين المؤتمر الوطني ومجلس النواب والشعب هو من يجني نتائج هذه الصراعات، فهناك حكومتان وبرلمانان وجيشان، وحتي علي مستوى الإعلام أصبح لدينا قناتان رسميتان.. وصل الامر إلى المحاكم من أجل السلطة، لا من أجل الوطن، وجميعهم يدعي أنه هو الوطني الوحيد في البلاد وأن "دماء الشهداء لن تضيع هباء" وهي ضاعت و (اللي كان كان). باعوا الوطن مقابل البطن فمنهم من باعوا للسعودية والإمارات والآخر باع لقطر وتركيا والموت في شباب الوطن والدمار والخراب للبلاد..والله المستعان.

سراب نحسبه ماء
انتخاب لجنة صياغة الدستور وما أدراك ما الدستور، وكان لدينا بعض الأمل في أن تخرج هذه اللجنة بدستور يُصلح، ولو جزئياً، من وضع البلاد وتضبط بعض القوانين المتصارعين علي السلطة وتلجمهم، ولكن سرعان ما تبدد هذا الأمل هو الآخر، حيث لم يختلف رجال هذه اللجنة عن سابقيهم في التسابق في المزايا والرواتب الخيالية والسفر والرحلات الماكوكية، وشُكلت اللجان من أجل أن يخرجوا علينا بدستور ينظم حياتنا ونصبح دولة لها كيان مستقل.. علماً بأنه لدينا دستور من أروع ما يكون وجاهز وقد يحتاج الي بعض التعديل في بعض الفقرات وينتهي الأمر، ولكن طالت المدة ونحن ننتظر هذه المعجزة ولا زلنا في حالة انتظار لا مثيل لها "هرمنا من أجل دستور".

كابوس الصراع المسلح المؤدلج
فجر ليبيا، الكرامة، قسورة، الشروق، مجلس شورى الثوار، الدولة الاسلامية، داعش، وأسماء ما أنزل الله بها من سلطان.. وصراع مؤدلج تحركه قوى خارجية من أجل إنهاك البلاد ودخولها في فوضي وإفلاس الخزينة الليبية، الموت تحصد المئات كل يوم في أنحاء البلاد وقادة هذه الكتائب المذكورة تربوا في دول أوروبا وأمريكا وتورا بورا الأفغانية وجاؤوا لكي يقضوا علي أحلامنا ويهدروا طاقتنا ويزجوا بالشباب في هذه المعارك المنتصر فيها خاسر والطامة الكبري أنهم أصبحوا يطلقون مصطلح "عدو" بين اللبيبين وأصبحوا الأخوة الأعداء يتقاتلون وأجندات تحركهم تارة من قطروتركيا وتارة من الإمارات ومصروالسعودية، والموت والقتل والدمار في الليبيين "أليس فيكم رجل رشيد" وما نأسف عليه الاستمرار في هذا الاقتتال بين أبناء الوطن الواحد... وفي هذا الخضم تكبر داعش وتتمدد في البلاد شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً وهو الخطر الذي يُهدد أمن واستقرار الوطن "ولكم في العراق وأفغانستان خير مثال يا أولي الألباب.

بصيص من الأمل
أملنا في حوار وطني خالص لوجه الله، من أجل الوطن والأجيال القادمة، ومصالحة وطنية بنوايا صادقة ونظيفة.. نحنُ أمة مسلمة وسطية لنا في الرسول الكريم "صلي الله عليه وسلم" أسوةٌ حسنة وهو قدوتنا ويجب علينا اتباع أوامره وسننه الحسنة، وهذا مثال علي التسامح والنخوة في ديننا السمح "...أن رسول الله - صل الله عليه وسلم- قال: يا معشر قريش ما ترون أني فاعل فيكم؟ قالوا: خيرًا، أخ كريم، وابن أخ كريم، فقال: اذهبو فأنتم الطلقاء".

فكفانا دماء واقتتالا ولنفتح صفحة جديدة ولنطوِ صفحة الماضي ونتطلعْ نحو بناء الوطن، ليبيا موحدة تسودها راية العدل والمساواة ولنعش متحابين، لأن ما يحدث في وطننا في هذا الوقت من تردي الأوضاع الأمنية وفرض الآراء بالقوة يهدد سلامة واستقرار الوطن وسيادته.
فلنؤكد ضرورة وحتمية الحوار الوطني لإطفاء نار الفتنة لا إيقادها ونحن في أمس الحاجة إلى إنهاء الصراع العنيف بقوة السلاح من أجل الكراسي ومراكز النفوذ، يجب أن يخرج الجميع من سباتهم وغفوتهم والوقوف صفا واحدا من أجل بناء الوطن على أسس سليمة.. علينا الجلوس على طاولة الحوار نتقبل آراء بعضنا البعض بدون حقد وضغينة وكره وعداوة.. أغلبية دول العالم التي حدثت بها حروب ونزاعات انتهى بها الأمر إلى طاولة الحوار واتفقوا على نبذ العنف ووقف القتال.. والاتفاق على حكومة وطنية تعبر بنا إلي بر الأمان، حكومة تضم أشخاصا همهم الوحيد المواطن والوطن وبناء مؤسسات الدولة على أسس علمية والتركيز على منظومة الجيش والشرطة وتفعيل كافة الأجهزة الأمنية وعدم الاعتداء على حقوق الإنسان وكرامته... والتركيز على النخب الوطنية وأعيان ومشايخ القبائل والعلماء والقنوات الإعلامية في بذل جهودهم لتوحيد الصف ووقف الاقتتال وحقن الدماء حفاظاً على السلم الاجتماعي وأرواح المواطنين.

حفظ الله ليبيا من كل مكروه، ولا زال الحلم مستمرا ونرجو أن يتحقق وننعم بوطن آمن مطمئن ينعم بوحدة التراب ولُحمة وطنيه صادقة.