Atwasat

إصلاح ليبيا ومشاكل أوروبا الناتجة عن الهجرة (من أسفل إلى الأعلى)

نور الدين السيد الثلثي الإثنين 11 سبتمبر 2017, 02:54 مساء
نور الدين السيد الثلثي

بقلم «إيثان تشورين» ترجمة: نورالدين السيد الثلثي

كانت الأضواء خلال الأشهر القليلة الماضية مسلّطة على ليبيا مرةً أخرى؛ ليس لاختلالها السياسي الذي يبدو بلا نهاية، ولكن للآثار السلبية التي تترتب على ذلك الاختلال خارجها: الطريق المُهلكة للملايين ممن يرغبون في الهجرة من جنوب الصحراء للوصول إلى أوروبا، والشباب الذين يتم استقطابهم نحو اتجاهات راديكالية والذين تمّ ربطهم في الفترة القريبة الماضية بهجوماتٍ إرهابية في أوروبا وشمال أفريقيا.

في إشارةٍ منها إلى مجموعة بديلة من برامج التنمية في أفريقيا، ظهرت فيديريكا موغيريني، وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي، الأسبوع الماضي، وكأنها تستبعد أي خطة مماثلة لـ "خطة مارشال" التي يمكن من خلالها تنسيق وزيادة المساعدة الأوروبية لليبيا والإقليم الأوسع. في حالة ليبيا، يجري توجيه معظم هذه الأموال لوقف تدفق الهجرة وليس للتنمية وإعادة الإعمار. وكما هو معروف لدى موغيريني فإن هناك عوائق كبرى للعمل المشترك بين الدول الأعضاء، منها الاختلاف حول الأسباب الجوهرية للنزاع، وغياب الإرادة السياسية، وحقيقة أن حسابات "تكلفة التدخل مقابل الفائدة" تختلف بين كثير من الدول ذات العلاقة.

دعا أنتونيو تاجاني، رئيس الاتحاد الأوروبي، منذ فترة قصيرة إلى إنفاق ما يصل إلى ستة مليارات دولار لوقف المهاجرين و10 مليارات للغرض نفسه في تشاد، الجار الجنوبي لليبيا (ومعها النيجر وموريتانيا ومالي التي لحق بها دمارٌ نتيجة السلاح والمقاتلين القادمين من ليبيا). وتعهد بوريس جونسون وزير خارجية بريطانيا في زيارة أخيرة له إلى بنغازي وطرابلس بمبلغ هزيل قدره 9 ملايين يورو للمساعدة في السيطرة على الإرهاب والاتجار في الأشخاص. والإيطاليون، من جانبهم، متهمون بدفع المال لميليشيات محلية من أجل وقف تدفق المهاجرين إلى شواطئها. ليس لهذه التعهدات الغامضة وغير المنسَّقة غير فرصة ضئيلة لإحراز تقدم، ولكنها تملك، في المقابل، قدرةً كبيرة على الدفع نحو ما هو أسوأ.

لعبت المجموعة الدولية خلال السنوات الخمس الماضية في ليبيا "لعبة مطاردة". مثّلت "القيادة من الخلف" استراتيجية الولايات المتحدة عندما تدخلت في العام 2011. بُنيت تلك الاستراتيجية على أساس دعمٍ تمويلي من أوروبا، وهو ما لم يأت؛ فأُعطي الضوء الأخضر لقطر وتركيا لملأ الفراغ، وهو ما عجّل بتحول الثورة إلى الراديكالية كما حدث في سورية. وفي بحثها عن علاج سريع، عملت الأمم المتحدة لأكثر من سنتين للتوفيق بين "الأطراف" التي بدأت تتشكل، من خلال خارطة طريق بيزنطية سُمّيت بـ "الاتفاق السياسي الليبي" الذي كان سيُنتج حكومة وفاق وطني.

وكما كان متوقعاً، فشلت المبادرة، ولسبب بسيط هو أنها قد أخطأت تشخيص طبيعة النزاع الليبي، فحاولت دمج جماعات تختلف اختلافات كبرى في برامجها ومستويات شرعيتها المحلية. في سنة 2014، صنع الجنرال خليفة حفتر لنفسه قاعدة عريضة من المؤيدين بطرده القاعدة وداعش من أجزاء كبيرة من شرق ليبيا. واستغلت داعش ضعف حكومة الوفاق الوطني (وتواطؤ بعض أعضائها) لإقامة قاعدة لها في سرت، بينما أقامت القاعدة وداعش معسكرات تدريب تنطلق منها هجمات إرهابية في تونس والجزائر وأوروبا. وفي الأثناء تفاقمت مشكلة الهجرة، وقد ساعد على ذلك عمليات إجرامية تحقق أرباحاً من الاتّجار في السلاح والأشخاص. وفي خشيتها من استمرار تقدم داعش، حولت أوروبا دعمها الرسمي إلى حكومة الوفاق الوطني في وقت مبكّر على أمل تعاونها في قصف الغرب لداعش، وهو ما لم يقض على داعش أو محنة ليبيا. داعش، في الحقيقة، وكما هو متوقع، هي الآن على طريق العودة.

يعيدنا هذا إلى خطة مارشال. كان الغرض من الخطة سنة 1948، والتي امتدت لأربع سنوات وبلغت 13 مليار دولار (130 مليار بقيمة النقد اليوم)، تقديم المساعدة والخبرة للدول الأوروبية التي دمرتها الحرب، وضمان "بقاء المؤسسات الحرة الأوروبية، ما يتسق مع المحافظة على قوة واستقرار الولايات المتحدة"، وتسهيل التنمية والتنسيق الإقليميين. لو أن أوروبا تقدّمت لدعم شمال أفريقيا والساحل على النحو الذي قدمته لها الولايات المتحدة قبل سبعين عاماً، فإنها هي أيضاً (أوروبا) ستستفيد من حيث دعم أمنها وتخفيض الهجرة إليها.

يمكن حل مشاكل ليبيا بشكلٍ سريع نسبياً إذا ما حدثت بعض الأشياء على نحو متزامن؛ أولاً: وقف كل دعم عسكري أجنبي لأطراف النزاع في ليبيا. في وقت معين كان هذا يعني قطر بدرجة أساسية وهي التي يمكن القول بأنها قد عملت أكثر من غيرها لتسييس الصراع في ليبيا ودفعه نحو الراديكالية، وقد ساندتها في هذا المجال تركيا. تشمل قائمة البلدان المتدخّلة الآن مصر والإمارات والسعودية، وهي التي تقيم حرباً بالوكالة في ليبيا ضد قطر والإخوان المسلمين. ثانياً: يجب إخضاع الأشخاص الذين يقومون بتنسيق أعمال اللصوصية وقطع الطرق والإرهاب للعقاب والاعتقال الفوري. ثالثاً: يجب إغلاق المصدر التلقائي لتمويل الميليشيات، وهو ما يتطلّب شبكة أمان تحمي الغالبية غير المشارِكة في أعمال العنف. هناك مخاوف من أن تؤدي مثل هذه الخطوة إلى دفع البلاد إلى انهيار كامل للقانون شبيه بما كان عليه الصومال في أسوأ حالاته. ولكن الحقيقة هي أن المسافة إلى تلك الحالة ليست بعيدة.

إن ما سلف بحاجة إلى مستوى من التنسيق الدولي المقصود بأخذ خطة مارشال كمثال. كيف يمكن القيام بذلك؟. يمكن تصوّر اتفاقٍ طوعي بين عدد من الدول، تدير أموالاً على غرار خطة مارشال، وآليّةٍ للمتابعة وفرض التنفيذ، ومساعدةٍ إقليمية بالتوافق مع الهيئات الدولية بما فيها البك الدولي والأمم المتحدة وبنك التنمية الأفريقي، والمجتمع المدني الليبي الذي هو في غاية الأهمية. يكون التركيز على ليبيا وجميع الدول المتأثرة بانهيار ليبيا التالي للثورة، أي معظم دول شمال أفريقيا والساحل، وعلى أن تكون العضوية محدودة بالبلدان التي تتعهد بعدم تقديم دعم عسكري أحادي أو دعم غير إنساني لوجستي لأي طرف من أطراف النزاع الليبي، والقبول بمراقبة نشاطاتها، وتطبيق العقوبات على الدول التي تنتهك تلك الالتزامات.

تقوم الدول الصديقة لليبيا بتقديم المساعدات السريعة بشكلٍ غير مركزي، على أساس الاتجاه من أسفل إلى أعلى، لكل المدن والمناطق التي تُظهر درجة عملياتية من الحكم [الإدارة] الذاتية والأمن والاعتماد على الذات (كما تُظهرها الانتخابات المحلية والبلدية، وروح المبادرة، والبيئة الطبيعية المستقرة بدرجة معقولة). وهذا ما سيكون تحقيقه أكثر صعوبةً في بعض الأماكن مقارنة بأخرى، ولكن تعافي أجزاء من ليبيا سيجعل التعامل مع المشاكل الأكبر أسهل. علاوة على ذلك، توجد حاجة لطريقٍ إجرائي سريع لتمويل المدن والمناطق لإظهار التقدم طبقا للاحتياجات. يوجد طلبٌ كبير جداً للاستثمارات والقروض الصغرى في كامل أنحاء البلاد.

لن يقضي توفُّر الأمن ومَواطن العمل على التطرف، ولكنه سيساعد الليبيين على التعافي ومقاومة العاملين ضدّ نجاح هذا الجهد. وبدلاً من قيام جسم متعدد الأطراف بتحديد الدوائر الانتخابية، ليُترك ذلك للواقع على الأرض، طبقاً للرغبات والقدرات المحلية. تتجاوز المدن الأقرب لمطابقة هذه المعايير خطوط الفصل السياسية لتشمل بنغازي ومصراتة والزنتان ومدناً أخرى صغيرة في الجنوب.

وبالنسبة لحفتر، فإن على المجموعة الدولية عمل ما كان يلزم أن تعمله سنة 2014، وهو إبرام صفقة، وهي نفسها التي يجب عرضها على كل سلطة إقليمية أو محلية في ليبيا: مساعدات هامة في مقابل تأكيدات قوية باحترام الانتخابات الوطنية وإخضاع القوات لحكومة مدنية منتخبة. المساعدات لا تحتاج إلى مِنحٍ بالضرورة، فمتى انتعش الاقتصاد الليبي سيكون بإمكان ليبيا سداد تلك المساعدات. وينبغي أن يُعطَى أولئك الذين يشاركون في هذا الإطار الأولويةَ في العقود بما يتوافق مع المساعدة المثمرة والشفافة التي يقدمونها. وبهذا ستكون ليبيا والعالم في حال أفضل.

تُرجم عن مجلة فوربز بتاريخ 8 سبتمبر 2017، بإذن من الكاتب.