Atwasat

عسكر وحرامية

نورالدين خليفة النمر الأحد 07 مايو 2017, 09:35 صباحا
نورالدين خليفة النمر

تتمحور محبّطات السياسة في عناصر حرامية عدّة، أبرزها في القيادة غموض الشخصنة، فيما يسمّى اليوم بالشعبوية؛ الظاهرة التي توّقعنا نهايتها في سياسات بلدان مابعد الاستعمار، فنراها تتجدّد في بلدان المركز الرأسمالي الإمبريالي، وإن في قوالب وأطر مخالفة، وإذا كانت العسكرة من المكوّنات البنيوية في الزعامة الشعبوية، حتى وإن كانت مدنية، فيما ألفناه من استقلاليات الفضاءات العالمثالثية، فإن مالم نألفه هو النزوع الحثيث، لتخفّي السياسة في جلباب العسكرة في المركز الرأسمالي بنيوليبراليته وعولمة إمبرياليته فيما تُجليه إدارة الرئيس الأميركي ترُمب بعد مرور المئة يوم من تبوئه الرئاسة، والذي برز منذ الشهر الأول من ولايته، في انعطاف العلاقة بين المدنيين والعسكر، فبدل أن يراقب الساسة المدنيون سلطات المؤسسة العسكرية كما هو متبع في الإدارات السابقة، صار القادة العسكريون في الإدارة الجديدة هم الرقيب على السلطات المدنية التنفيذية.

هذه، النقلة غير المسبوقة بالعسكرة بدأت، في الآونة الآخيرة، تثير نقاشاً بل لغطاً، داخل العاصمة واشنطن، وخارجها، وتطرح عدداً من التساؤلات حول مستقبل العلاقة بين المؤسستين العسكرية والمدنية في أميركا، وحول التبعات الخطيرة الناجمة عن عسكرة البيت الأبيض، ليس فقط على السياسة الخارجية الأمير كية، بل على السياسة الدفاعية والأمنية المتعالقة بها. فالقادة العسكريون، رغم تقاعدهم عن الخدمة، إلاّ أن شعوراً يخالجهم بالحاجة إلى حماية المؤسسات من تجاوزات السلطة التنفيذية المدنية.

وهي الظاهرة المألوفة في دول مثل تركيا ومصر، ولكن في الولايات المتحدة لم نشهد لها مثيلاً حتى في الحقب الصعبة كحرب فييتنام. وقد تجلّى هذا الأمر بيّنا في جلسة المصادقة على تعيين الجنرال جيمس ماتيس، الذي توجّهت إليه السيناتور إليزبيت وارن بالقول "نحن نعتمد عليك" وقولها إقرارٌ بغياب وزير خارجية، راجح الصوت وطاقمه كما كانت كلينتون في إدارة أوباما وتلويح بأيلولة طمأنة الحلفاء والشركاء إلى الجنرالات المتقاعدين بخصوص سياسة الإدارة الأميركية الخارجية في عالم يسوده التوتر والأضطراب.

بدل أن يراقب الساسة المدنيون سلطات المؤسسة العسكرية كما هو متبع في الإدارات السابقة، صار القادة العسكريون في الإدارة الجديدة هم الرقيب

لقد تجاوز الرئيس ترُمب حدود التبجّح بالتصريح بعلاقته الوثيقة بالعسكريين،على حساب المؤسسة السياسية، وهذا أرجعه محللو شخصنة السلطة إلى مديونية ترُمب لصفات الالتزام، والجدّية، والانضباط التي انغرست في شخصيته بانضوائه مُراهقاً في نظام المدرسة العسكرية الخاصة بشمال ولاية نيويورك" New York Military Academy "إلا أن جوزيف س.ناي الإبن يكتب مشكّكاً في ذلك، بالاستناد على أدبيات نظرية القيادة الحديثة، التي تلمّح إلى نقص في الذكاء العاطفي، يعصف بشخصية الرئيس ترُمب، ويمنعه من توجيه عواطفه الشخصية، لأجتذاب الآخرين، وترسيخ ملكة التمكن، والانضباط الذاتي الذي يمنع الاحتياجات النفسية الشخصية من تشويه السياسة.

الأرقام تساعدنا في لمس هذا التوّجه، ففي مقابل دعوة الرئيس ترُمب لتخفيض مقداره 28% أو 29 مليار دولار من وزارة الخارجية. عرض ضخّ زيادة مقدارها 10% أو 54 مليار دولار لوزارة الدفاع في ميزانيته الفيدرالية الأولى المخصصة لعام 2018 ، كما تمادى بمغازلة مجموعة تصويتية عسكرية شديدة الأهمية وهى المحاربون القدامى الذين يفوق عددهم التسعة ملايين ناخب بزيادة مخصصات ميزانية وزارتهم بنسية 6% أو ما مقداره 4.4 مليار دولار. بل تعهّد بإعادة بناء الجيش الأمريكى ليواجه التحديات والمخاطر المتجدّدة. في مجال امتلاك الأسلحة النووية، بما يدفع لتجديد سباق تسلح نووي ظن الكثيرون أنه تاريخ غبر مع نهاية الحرب الباردة في القرن الماضى.

في كتابه "إهمال الواجب" الذي قوبل بالاحتفاء من الأوساط الدفاعية والأمنية، أعلى مستشار الأمن القومي الأميركي هـ.ماكماستر من شأن قادة عسكريين تحدّوا في حرب فيتنام رؤى قادتهم المدنيين، تعيين ترُمب لماكماستر ،وجنرالين متقاعدين كجون ماتيس للدفاع وجون كيلي للأمن الداخلي اللذين يحظيان بمكانة مقدّرة في تاريخ العسكرية الأميركية المحاربة للإرهاب أنظمة وجماعات. هدف منه الرئيس، تقوية مكانته في الدوائر الدفاعية والأمنية، وتعويض خلل علاقته بالسياسيين ليس فقط بغرمائه في الحزب الديمقراطي المعارض بل أيضاً منتقديه، ومنتقصي كفاءته كرئيس من أعضاء حزبه الجمهوري، ولكن ترُمب لم يتساءل كيف بنى هولاء القادة العسكريون سمعتهم التي يعود شطرٌ كبير منها إلى تمنعّهم إزاء الهيمنة السياسية والمدنية، وانتقادهم للساسة، وإقحام المسؤولين عن وضع السياسات الدفاعية والأمنية أمام محك الأسئلة الصعبة والقاسية.

المؤشرات لسياسة أميركية عبر الوسطاء في ليبيا أبرزها توّجه الرئيس ترامب بالرد المباشر على رئيس الحكومة الإيطالية في لقاء البيت الأبيض بأن لا دور لأميركا في ليبيا غير هزيمة داعش فالولايات المتحدة حسب رؤيته البرجماطية يكفيها ما تقوم به حالياً من أدوار، وفي أماكن مختلفة من العالم. وكلامه يعني إعطاء إشارة البدء لدور أوروبي بقيادة إيطالية، ربما ستتقبلها بريطانيا على مضض لحلحة عقبات التوافق بين رئاسة البرلمان المؤسسة التي شرعنتها انتخابات عام 2014 وضخَّ اتفاق الصخيرات الذي رعته الأمم المتحدة دماء الاستمرارية في شرايين رئاستها المتصلبة، وموازيتها رئاسة مجلس الدولة التي أولدها الاتفاق ذاته، ومنه استمدت شرعيتها، عبر انتخابات شكلية أقصت من جسم مؤسسة المؤتمر الوطني الأطراف المعيقة والتي لالزوم لها في إدارة عملية التوافق للاقتسام المصالحي لكعكة السلطة الدامية. الوجه الثاني للوسائطية يقاد إقليمياً من دويلة الإمارات بدل إمارة قطر، وجهودها تنصبّ بتنسيق مصالح دول الجوار والأطراف الإقليمية التي تتخفّى وراءها، والتي أنتجت اللقاء الذي اختصر الصراع في الشخصنة وغموضها، بفرعيها قيادة الجيش التي إلى حدّ هذا اليوم غير معروفة مطالبها، ونواياها، والواجهة السياسية للمجلس الرئاسي التي غير محسوب إمكان قوّتها من ضعفها وهشاشتها.

الوجه الثاني للوسائطية يقاد إقليمياً من دويلة الإمارات بدل إمارة قطر وجهودها تنصبّ بتنسيق مصالح دول الجوار والأطراف الإقليمية التي تتخفّى وراءها

في 10مايو المرتقب سيُعقد في واشنطن مؤتمر ينظمه "المجلس الوطني للعلاقات الأميركية - الليبية" بالشراكة مع "المجلس الوطني للعلاقات الأميركية– العربية" وبدعم من مؤسسات فكرية بينها "بيروت إنستيتيوت“. عنوان المؤتمر "رؤية جديدة، أمل، وفرص متاحة للعلاقات الليبية-الأميركية لعام 2017". من المتوقع أن يشارك في هذا اللقاء مسؤولون ليبيون في حكومات سابقة، وأعضاء من المجلس الرئاسي ووزير الخارجية الليبي في الحكومة الوفاقية ومبعوث الأمم المتحدة في ليبيا، وسيقوم المؤتمر بمراجعة للسنوات الست الماضية كأساس يبنى عليه لانطلاقة نحو المستقبل، الاعتراف بالأخطاء وتحديدها وتشخيص العراقيل.

وسيتم التطرق إلى مصير اتفاق الصخيرات الذي رسم خريطة طريق متعثرة لليبيا، وذلك لاستطلاع ما هي فرص نجاحه في المرحلة المقبلة وما قد يحتاج إليه من تعديل. وسيدقق المؤتمر في خصوصيات الأمن في ليبيا والمنطقة عبر خبراء يتحدثون عن الأدوار الإقليمية وخبراء آخرين بالميليشيات وبـ «داعش» وكذلك بـالمسمّى الملتبس لـ "الجيش الليبي" وقيادته الاستشكالية.

من الجهة المُنظمة للقاء "المجلس الوطني للعلاقات الأميركية - الليبية" لم يرشح إلا إسم واحد ليبي أميركي الجنسية يعمل حتى اليوم ليس في مجال السياسة أو إدارتها ولكن للمفارقة طبيباً استشارياً في جراحة القلب.. قلب ليبيا الذي تصلّبت شرايينه.