Atwasat

الـعـين الزُجاجية

نورالدين خليفة النمر الأحد 16 أبريل 2017, 10:36 صباحا
نورالدين خليفة النمر

تتوّزع أنماطَ الاستجابة في المؤسسيّة النزاعية الليبية مواقفُ ثلاثة: المُعْترِض، وهو من يدخل العملية السياسية ويندرج في سياقاتها ويعمل وفق قوانينها، حتى ولو كان بالتشويش، خدمة لأغراضه ومصالحه، وهذا العنصر موجود حتى في الأنظمة الديمقراطية النموذجية المبرأة من الانزلاق في الحالة الانقسامية التي تصير ليبيا يوما عن يوم، منذ خريف عام 2014، نموذجها الصاعق، وهو ما ألمحنا إليه وحاولنا تبيينه فيما يقارب الأعوام الثلاثة في العديد من مقالاتنا المنشور أغلبها في موقع بوّابة الوسط.

عنصر "المُعترض" تقريبا تلاشى باختفاء المشهد الديمقراطي الشكلاني الذي توّجته انتخابات المؤتمر الوطني صيف عام 2012 مؤديّة نتائجها إلى التداعيات الانقسامية بادئة خريف الثورة الليبية عام 2014، فنتجاوزه ونركّز اهتمامناعلى التاليين وهما "المُعرقل" الذي يعمل من خارج المنظومة، ليس بالتشويش فقط، بل بالتأليب والتزييف والإرباك بهدف إيقاف العملية السياسية بكل مالها وماعليها في حالة محلّك سِرّ.. فهو تسري عليه استعارة "العصا في العجلة". الأسوأ منه الثالث من صار اليوم خارقاً وصميميا في ليبيته وتوصّف خطورته لفظة لا أميل إلى استعمالها، لأن آلية التصنيف في النظام الدكتاتوري السابق منهجتها لتدمير كل من يفكر في الاعتراض عليه، وهي لفظة "مُعوّق" وهو الذي يعمل، ليس كعصا تابثة في مكانها وفقط موقفة للعجلة عن الحركة الصحيحة، أو حتى ربع الصحيحة، بل العصا المتحركة تخريباً وتدميراً للأعواد المقيمة والمثبتة للعجلة لإمكانية أن تدور أوتسير.

فيما يقرّره "كريج رينCRAIG RAINE" في الملفوظ ، ويمكننا تمديده ليشمل الملفوظ السياسي أيضاً، الذي في رأيه ليس له فقط عين الطبيعة المفطورة بل عين الصنعة والتكنيك فيما أسماه بـ "العدسة الزجاجية" العين الثانية التي يُغيّر السياسي ورجل الدولة بزاوية تبئيرها عبر ملفوظه التوجيهي وإجرائيته المرئيات والظاهرات السياسية بل الفكريات الاجتماعية فيما سمّي بالمضمون الذي يحقق التزام السياسة في بعدها البيني والدولي.

في لقاءات القمم التي تضّم الدول الفاعلة في السياسة الدولية ــ كالدول الصناعية السبع الكبارــ والتي تلتئم في لقاءاتها غالباً للبث في ظروف دولية طارئة ،نتجت عنها مشاكل ومخاطر سياسية، عادة ماتلفت متابعَها مجموعةُ الدلالات المرفقة بها: التوقيت والدولة المضّيفة، رمزية مكان اللقاء، وماهية الدول المجتمعة، ومن هم ممثلوها الضيوف الذين سيمنحون القمة الأهميّة البالغة؟!

أستبعد كل الدلالات المرفقة بلقاء وزراء خارجية الدول الصناعية السبع الكبار في بلدة لوكا بمقاطعة توسكانا الإيطالية الممهّد لقمة الرؤساء في مايو المقبل والتي ستعقد في تاورمينا بجزيرة صقلية، وسيكون الرئيس الأميركي ترُمب ضيفه المميّز المؤثر بعد الضربات الأميركية الصاروخية على مطار الشعيرات السوري، وأدخل مباشرة في المتضمنات الرئيسية لملفوظ البيان الذي صدر في10 أبريل 2017 عن لقاء لوكا بتوسكانا كما أورد ترجمته موقع بوابة الوسط، والذي جدّد الدعم لحكومة الوفاق الوطني باعتبارها السلطة التنفيذية المنبثقة عن المجلس الرئاسي الذي يستمد شرعيته من الاتفاق السياسي المعتمد من المجتمع الدولي كآليّة حلّ المشكلة الليبية بعد نيله، بعد مفاوضات أشرفت عليها الأمم المتحدة، موافقة كل أطراف النزاع بمن فيهم المعرقلون والمعوقون له اليوم في البرلمان الذي مدّد شرعيته واستمرار نفاذها اتفاق الصخيرات السياسي ذاته. الدول المجتمعة في لقاء توسكانا تعهّدت من جانبها ببذل مساعيها في المساعدة لتنفيذ الاتفاق السياسي باعتباره الإطار الوحيد للتوصل إلى تسوية سياسية للمشكلة الليبية، كما نبّهت إلى أنه لا حلول عسكرية للأزمة في ليبيا.

عين الفِطر والطبائع التي استمرأت التحديق في ظلام رغباوياتها وتوهماتها لاتقرأ مؤشرات عدسة العين الصناعية التي تنعكس على زجاجها البارد المصالح الجيوسياسية والاقتصادية، التي تُمهل ولاتُهمل المعرقلين والمعوّقين الذين تمترست مصالحهم الكسولة في البرلمان الذي أغفل الدور الأساسي، المنوط به، فانقسم على نفسه معمقاً المشاكل المبهظة بدل الإسهام في حلها والمصاعب الحياتية الملموسة بدل السعي لحلحلة المُكلف منها. فحتى هذه اللحظة لم يعتمد الحكومة المقدمة من المجلس الرئاسي ولم يطرح مبادرات لتجاوز هذه الحزمة من العراقيل والمعوّقات التي أدت إلى كل المشاكل. التي تصير يوما بعد يوم أزمات بل معضلات. مالايمكن للدول الغربية المرتبطة مصالحها بعيدة المدى بليبيا التسامح فيه هو ما اصطنعه البرلمان بالتوازي مع الانقسامية المجتمعية والمؤسسية التمثيلية المفترضة بشقّ وقسم المؤسسات السيادية المسيّرة لشئون المعاش البشري: النفط ثروة كل الليبيين ومؤسسته العامة وبيت مال الليبيين، المصرف المركزي.

وأنا أتابع منذ خريف عام 2014 تداعيات الانقسام المؤسسي المصطنع الذي يمكن أن نسبغ عليه، رغم مناقصه الفادحة، وصف التمثيلي، غالباً ماأطرح على نفسي سؤالاً يحيّرني عن ماهية المعطيات الملموسة التي يتكيء عليها المعرقلون، بل المعوّقون، ليكونوا العصا في العجلة لتدميرها.