Atwasat

كيف يتحول حفل للتوعية بالتغير المناخي إلى حملة عنف في ليبيا؟

ريما إبراهيم حميدان الجمعة 31 مارس 2017, 03:35 صباحا
ريما إبراهيم حميدان

أقيم حفل موسيقى لفرق شبابية ليبية في بنغازي يوم الخامس والعشرين من مارس في جامعة العرب الطبية بتنظيم من طلاب جامعيين كجزء من مشاركة مدينة بنغازي في الحدث العالمي السنوي «ساعة الأرض» والذي تشارك فيه سنوياً ما يقارب 7 آلاف مدينة وقرية عالمياً.

وهو جزء من حملة توعية عالمية يشرف عليها الصندوق العالمي للطبيعة، تتمثل بشكل عام بتقليص استخدام الكهرباء إلى الحد الأدنى لمدة ساعة تشمل دعوة لجميع الأفراد والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية والمنظمات والشركات والمباني ذات القيمة الرمزية لعدد كبير من المدن وذلك لرفع الوعي ولإثارة الانتباه العام بضرورة ترشيد الاستهلاك للكهرباء والماء لكوننا نعيش اليوم في واقع مليء بتحديات إنتاج الطاقة وتوفير مصادر المياه المستدام بحيث تكون مواكبة للتأثيرات التغيرات المناخية بالعالم المرتبطة بشكل كبير بزيادة نسب الغازات الدفيئة بالغلاف الجوي المكونة لظاهرة الاحتباس الحراري للكرة الأرضية.

النزاع المسلح والصراع على السلطة والعنف السياسي الحاصل بليبيا اليوم يمثل حجرة عثرة أمام أي مشاريع تنمية للبلاد، واستمرار تجاهل وجود تحديات مناخية حالية أو مستقبلية قريبة ... يؤدي إلى ارتفاع مستمر للتهديدات على الأمن المائي وكذلك الغذائي بالبلاد.

تعتبر ليبيا من الدول المتأثرة بتهديدات التغير المناخي بشكل أساسي من ناحية وفرة الموارد المائية، حيث أن زيادة أيام الجفاف بالبلاد وارتفاع درجات الحرارة صيفاً بالإضافة لضعف معدلات هطول الأمطار خلال السنوات الخمسين الأخيرة مع زيادة التعداد السكاني يؤدي لارتفاع الطلب على المياه في الاستعمالات الحضرية والري الزراعي وبالتالي يتطلب توفير مصادر مياه قادرة على سد هذه الاحتياجات المتزايدة سواء الحالية أو المستقبلية، يتم انتقاد اعتماد ليبيا بشكل أساسي من ناحية سياسات الموارد المائية المستدامة في احتياجاتها المائية على مشروع النهر الصناعي الذي يستنزف المياه بالأحواض الجوفية بالصحراء الليبية التي تقع بطبيعة الحال بمنطقة قليلة التغذية بمياه الأمطار مما يجعل خواصها كمصدر متجدد ومستدام ضعيفة.

بالإمكان ملاحظة أن السياسات الليبية لمواجهة تأثيرات التغير المناخي قبل ثورات الربيع العربي عام 2011 تلخصت في التوقيعات على المعاهدات العالمية ضمن الحراك الدولي الذي تقوده الأمم المتحدة ومن أهمها اتفاقية كيوتو واتفاقية الأمم المتحدة المبدئية بشأن التغير المناخي UNFCCC التي تلزم دول العالم على وضع استراتيجيات وطنية لمكافحة التغير المناخي العالمي والتعامل مع تأثيراته المحلية. لم تشمل هذه السياسات تنفيذ خطط ومشاريع للحد من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون خاصة كون ليبيا تعتمد في إنتاج الطاقة بشكل أساسي على النفط، حيث لم تشكل خطط وطنية فعالة من أجل تقليل الاعتماد على النفط والتحول نحو استخدام وسائل إنتاج الطاقة المتجددة.

الصراع السياسي والنزاعات المسلحة التي انتشرت بليبيا منذ عام 2011 أثرت بشكل كبير على زيادة التهديدات للأمن المائي، خاصة مع تعرض العديد من المنشآت المائية لاعتداءات مسلحة أدت إلى انقطاع المياه بين حين وآخرعلى مدن الساحل الليبي التي تعتمد بشكل كبير في احتياجاتها المائية على المياه المنقولة إليها من خلال منظومات نقل مياه من أحواض جنوبية تمر بمناطق نزاع مسلح أو بالقرب من تجمعات لمليشيات مسلحة مدعومة من أطراف لها أهداف سياسية. قضية التغير المناخي وتأثيراته على الموارد المائية تبدو لأصحاب القرار أنها تحمل صبغة سياسية ضعيفة بحيث يصعب وضعها ضمن أولويات العمل السياسي الليبي نحو الاستقرار، غير أن انعدام الاستقرار السياسي يجعل ليبيا مهددة بالمزيد من الهشاشة من حيث القابلية للتأثر بالتغير المناخي، ويؤدي إلى تفاقم التحديات المتعلقة بمصادر المياه التي تحتاج إلى خطط إدارة مستدامة عاجلة.

النزاع المسلح والصراع على السلطة والعنف السياسي الحاصل بليبيا اليوم يمثل حجرة عثرة أمام أي مشاريع تنمية للبلاد، واستمرار تجاهل وجود تحديات مناخية حالية أو مستقبلية قريبة وزيادة تهديد البنية التحتية المائية وعدم ربطه بالنزاعات الدائرة يؤدي إلى ارتفاع مستمر للتهديدات على الأمن المائي وكذلك الغذائي بالبلاد، حيث أنه يتم اعتبار وجود هذه التحديات البيئية والإنسانية مفتاح لتشجيع التعاون بين الفصائل المتنازعة للوصول إلى الاستقرار السياسي وبناء وحدة وطنية لمواجهة هذه التحديات الخطيرة ووضع الخطط المستدامة لضمان الوفرة المائية المطلوبة لجودة الحياة بالبلاد. غياب هذه التحديات عن أصحاب القرار والسياسيين الليبيين لا يعني غيابها عن المجتمع الليبي، حيث توجد عدة منظمات شبابية اليوم مهتمة بقضية التغير المناخي وآثارها، وتعمل بشكل مستمر على التوعية بأهمية هذه القضية في نطاق مجتمعي ضيق وبشكل بعيد عن أصحاب القرار اليوم.

إقامة حفل موسيقى علني للتوعية بالتغير المناخي داخل جامعة العرب الطبية بمنطقة عانت في السنوات الأخيرة نزاعات مسلحة عنيفة أدت إلى العديد من الخسائر الإنسانية كمدينة بنغازي هو رسالة قوية لأصحاب القرار بضرورة الانتباه الى هذه القضية.

إقامة حفل موسيقى علني للتوعية بالتغير المناخي داخل جامعة العرب الطبية بمنطقة عانت في السنوات الأخيرة نزاعات مسلحة عنيفة أدت إلى العديد من الخسائر الإنسانية كمدينة بنغازي هو رسالة قوية لأصحاب القرار بضرورة الانتباه الى هذه القضية والتعرف عليها ووضعها ضمن اولوياتهم السياسية الحالية وكذلك ضمن استراتيجيات الخطط الوطنية. لكن رد فعل السلطة الحاكمة ببنغازي وكذلك المجتمع الليبي لهذا الحفل كان يملك ملامح عنف وكراهية و تجاهل للهدف الأساسي من الحفل وهو المشاركة المدنية في حدث عالمي للتوعية بآثار التغير المناخي و تقليل الاعتماد على استهلاك الطاقة غير المتجددة من خلال إطفاء الأنوار والاعتماد على ضوء الشموع لمدة ساعة. تعرض الشباب المشاركون في الحفل لحملة تشويه واتهامات سياسية وتكفيرية وأخلاقية تعارض إقامة الحفل وتستنكر ملامحه أدت إلى إحالة الطلاب المنظمين للحفل إلى التحقيق بالنيابة العسكرية بمدينة بنغازي بتهمة تنظيم حفل دون أخذ إذن من الجهات الأمنية والحاكم العسكري، كما تم اعتقال الصحفي والمصور عبد الله دومة على خلفية تصويره للحفل من قبل عناصر البحث الجنائي.

قامت الحكومة ببنغازي بنشر بيان من خلال الهيئة العامة للأوقاف والشؤون الإسلامية يستنكر إقامة حفل «ساعة الأرض» ويتهم المشاركين بالحفل بالفساد الأخلاقي والانتماء لأحزاب علمانية تسعى لنشر فكر إلحادي والتفرقة بين الناس داخل المجتمع ويصف الحفل بأنه أحد الطقوس الماسونية وطقوس عبادة الشيطان ويرفض حضور النساء بحفل مسائي حتى مع حضورهم مع عائلاتهم. أدى هذا البيان إلى انتشار حملة من العنف والكراهية تنشر الاتهامات والاعتداءات اللفظية للمنظمين والمشاركين بالحفل وحتى للكتاب الصحفيين الذي كتبوا حول الحدث داخل مواقع التواصل الاجتماعي بحيث غاب عن الكثيرين الهدف الأساسي من إقامة الحفل بعد أن تم تشويهه و تجريمه من قبل السلطات الحاكمة ببنغازي.

يشير هذا الحدث الذي أثار جدلاً واسعاً داخل المجتمع الليبي لمدة أيام إلى أن عملية بناء السلام و تحقيق الاستقرار السياسي تتطلب أيضاً حملات موازية ضد انتشار ثقافة الكراهية والعنف التي تكاثفت داخل المجتمع الليبي ابتداءً من عام 2011 للمساعدة على وضع خطط فعالة لمواجهة التحديات البيئية للواقع الليبي المؤثرة بشكل كبير على وفرة المياه والأمن الغذائي والصحة العامة، إن أي خطوة نحو مواجهة التغير المناخي وتحديات مصادر المياه في ليبيا لن تتحقق طالما تجاهل السياسيون في ليبيا اليوم أهميتها وارتباطها الكبير بعملية بناء السلام سواء كونها تدعم وتشجع الأطراف المتنازعة على التركيز لوجود أهداف عامة مشتركة يطمح إليها الليبيون يقف التخبط السياسي اليوم أمام تحقيقها وأيضا لكونها تحتاج لوجود الوعي العام بها والاستقرار الأمني للبدء في تخطيط وتنفيذ الاستراتيجيات الوطنية اللازمة للتعامل مع هذه التحديات.