Atwasat

التوّهم بأستاذية العالم

نورالدين خليفة النمر الأحد 19 مارس 2017, 09:01 صباحا
نورالدين خليفة النمر

نبّه المفكر الإسلامي الهندي وحيد الدين خان في كتابه "من نحن؟"، إلى التحريف الذي اجترحته قيادات الأحزاب الدينية في ضمائر المسلمين، فبدل النفسية الإبلاغية المتوائمة مع التوجّه القرآني "هَٰذَا بَلَاغٌ لِّلنَّاسِ"، أيقظت فيهم جرأة النفسية الحاكمية، فتبنّت عقائدهم مقولة الأمة الإسلامية "حاكمة العالم وأستاذته".

يتحوّط "الإخوان المسلمون" الذين يتبنون التوّهمين الحاكمية والأستاذية لاحتمالات إصدار متوقع لقرار يصنّفهم كمنظمة إرهابية في أميركا، بتقمّص شعور الضحايا المستهدفين من إدارة ترمب بإجراءات التعصب والعنصريّة "فيمنّ الله عليهم" - فيما كتب سهيل الغنوشي بموقع قناة الجزيرة - بانتفاضة تضم نخبا سياسية وشعبا ومنظّمات دينيّة ومدنيّة وأقلّيات من المجتمع الأميركي تتعاطف معهم وتدافع عنهم وربما تُمّكن لهم.

ترجع جذور مفهوم أستاذية العالم في فكر سيّد قطب، إلى مؤسس الجماعة حسن البنا

تعود جذور خطاب "أستاذية أميركا" أو العالم للكاتب الإسلامي المصري سيدّ قطب الذي، إلى جانب رمزيته الشخصية في حركة "الأخوان المسلمين"، يحوز تمثيلية بارزة كونه المدّشن الفعلي للاتجاه الفكري الراديكالي في الرؤية الإسلامية إلى الغرب وأميركا،التي سافر إليها أواخر عام1948 في أوج الصراع الفكري والاجتماعي في مصر الأربعينيات، الذي اقتمحته للتوّ أميركا القوة الدولية الصاعدة فيما بعد الحرب العالمية الثانية.

النزاع العربي الصهيوني سينضاف للصراع الفكري،بإصدار الرئيس الأميركي ترومان تصريحه الشهير عام 1946بفتح الأبواب أمام الهجرة اليهودية إلى فلسطين تمهيداً للانحياز الأميركي المكشوف لما عرف لاحقا بتأسيس وطن قومي لليهود، وقيام دولة إسرائيل المشروع الذي حاربه الأخوان المسلمون عام 1948بكتائب المتطوعين الموازية للجيش المصري.

تُعدّ الأفكار المبتوثة في المقالات المُجمّعة لكتاب رحلته: "أمريكا التي رأيت في ميزان القيم الإنسانية"، وإشاراته الواردة حول أميركا في كتبه الفكرية الأخرى الخطاب "القطبي" الذي ما زال يشكّل إلهاما للاتّجاه الإسلامي بمختلف توجّهاته المتوّهمة بأستاذية بلدان الغرب وأميركا. بينما الإشارات اللافتة والمقلقة هي التي وردت في كتابه التفسيري"في ظلال القرآن" الذي مابرح يذكي عداء الراديكاليين الإسلاميين لأميركا، التي خصّها بتوصيف العالم المادي الجاهلي، معزّزاً مشاهداته وانطباعاته عنها لمدة عام ونصف بالمقاربات والتقييمات والرؤى القرآنية الحاسمة.

لقد اطلعت منذ سنوات على مقالات قطب الأميركية في أعداد من مجلة" الرسالة"، والتي كانت مثار تلهّفي في بواكير قراءتي السبعينية من القرن الـ20، وأنا ألمح الإشارات إليها كتاباً تحت الطبع في كتبه الأولى، كما قرأت مقتطفات مكثّفة باللغة الألمانية للمقالات، التي تبدو نقلاً عن النسخة الإنجليزية"The America that I Have Seen." المترجمة عن الأصل العربي، كما أن تفسيره "في ظلال القرآن" تُرجم تحت عنوان In The Shade of the Qur'an " إلى الإنجليزية. الأمر الذي يؤكد سريان هذه الأفكار والرؤى في ضمائر المسلمين في بلدان الغرب وأميركا وتأثيرها في وجداناتهم وعقولهم.

ترجع جذور مفهوم أستاذية العالم في فكر سيّد قطب، إلى مؤسس الجماعة حسن البنا، الذي عمّم استاذية الإخوان لتشمل سيادة الدنيا، وإرشاد الإنسانية كلها إلى نظم الإسلام الصالحة، وتعاليمه التي لا يمكن بغيرها أن يسعد الناس. بل إن هذه الرؤية امتدت إلى فكر جماعات إسلامية تدور في نفس مدارات الجماعة "الأخوانية" كالمنظمة المعروفة بـ "الندويين" .نسبة للعلاّمة أبو الحسن الندوي رئيس دار "ندوة العلماء" الذي تزعمّ حتى وفاته بداية عام 2000 مع رفيقه أبو الأعلى المودودي المؤثرة أفكاره في كتابات قطب نشاط الإسلاميين في الهند والباكستان لعقود من الزمن.

لقد اطلعت منذ سنوات على مقالات قطب الأميركية في أعداد من مجلة" الرسالة"، والتي كانت مثار تلهّفي في بواكير قراءتي السبعينية من القرن الـ20

الندوي الذي تبنّى نظرية "العهد المكّي" المتجسد بجهاد الدعوة، تمهيداً لمرحلة التمكين، خاطب المسلمين في كتابه "أحاديث صريحة في أميركا"، وأغلبهم من النخبة المتعلّمة بأن يكونوا لأميركا الأساتذة، بل القادة، في غياب مجتمع إسلامي صالح للأخذ بأيدي الأمريكان إلى الصراط المستقيم، يخاطبهم مخاطبة الأستاذ للتلميذ، والكبير للصغير. بل يحرّض مرتادي محاضراته من المسلمين العرب والباكستانين والهنود على تأسيس مجتمعهم الإسلامي الموازي في داخل المجتمع الأميركي الذي يكفل لهم العيش بجميع مزاياهم وتشخصاتهم الدينية، بل يحظّهم على خلق بيئة تلائمهم وتمكّنهم من بقائهم على الإسلام والإيمان يورثونها لأبنائهم من بعدهم.

بالعكس من سيّد قطب، المُبتعث بمنحة أميركية لتعلّم اللغة الإنجليزية، والندوي المستضاف عام 1977 لإلقاء المحاضرات لمدة شهرين في مدن أميركية، فإن سهيل الغنوشي حاصل على شهادة الدكتوراه من جامعة ويسكنسن في الهندسة الكيميائية!، وتولى هناك رئاسة المركز الإسلامي ورابطة الطلاب المسلمين و قيادة الجمعية الإسلامية-الأميركية، كما أسس مجلة "المسلم الأميركي" وتولى رئاسة تحريرها لمدة ست سنوات. وبحكم خبراته هذه يقدّم مايراه قراءة سليمة للأحداث الدافعة للمسلمين الأميركان باتجاه التعاطي مع التطورات الإيجابيّة السريعة بتطبيع أوضاعهم، وتجذير أنفسهم بالانضمام لأكبر عدد من التحالفات النشطة، وتسريع وتيرة انفتاحهم على المجتمع المدني، وتعظيم إسهامهم في الصالح الأميركي العام واعتبار المحنة فرصة إلهية لتدارك ما فات. فهل. تباطأ الأخوان المسلمون في القيام بهذه الخطوات. كل المعطيات المحفّزة إلى إصدار قانون وصمهم بالإرهاب تؤشر إلى تأخرهم.