Atwasat

في الديمقراطية.. الورقة التي نلعبها!

نورالدين خليفة النمر الأحد 13 نوفمبر 2016, 09:57 صباحا
نورالدين خليفة النمر

تحوّط المترّشح للرئاسة الأميركية عن الحزب الديمقراطي عام2008 باراك حُسين أوباما من أن تُلبسه الميديا الانتخابية ثوباً مثالياً "طوباوياً Utopianist" استناداً على العناصر"الكاريزمية" في شخصيته وسيرته الذاتية. فما انفكّ في العديد من خطبه أثناء حملته الانتخابية من التأكيد وبشكل ملّح على البعد "البرجماتي Pragmatical" في مضمون خطابه السياسي باعتبار "البرجماتيةpragmatism" ثابتا فلسفيا محوريا يسم سلوك، ليس فقط الشخصية السياسية ،بل الأرضية المجتمعية وطباعها الأميركية التي تبوِّأُ الشخصية السياسية عبر الانتخابات الديمقراطية بنمطها الأميركي الفريد للمترّشح منصب رئيس الدولة.

في الخطاب والأداء الانتخابي للمترشحة "هيلاري كلينتون" للرئاسة عن الحزب الديمقراطي . اعتبرت "البرجماتية" بناءً على السيرة أو البيوغرافيا الشخصية والسياسية دّالاً ضمنياً هو من تحصيل الحاصل في حملتيها للترشح عن الحزب الديمقراطي ضّد غريميها "أوباما" عام 2008 و"برني ساندرز" الديمقراطي واليساري المضاد لمؤسسة حزبه الديمقراطي، وضد منافسها الشرس على منصب الرئاسة المنتصر عليها في 2016 الجمهوري الضد ــ جمهوري "دونالد ترامب" الذي خاطب وبنى بدأب المقاول والمالك العقاري جمهوراً انتخابيا مناصراً طوال حملته الانتخابية الشرسة التي سيّرها بروحه الكفاحية النادرة وبغريزته "البرجماتية" العفوية بل العشوائية والفظة التي قيل فيها جرياً على المثل السائر عندنا ماقاله "الإمام مالك" في الخمر ذمّاً وتحريماً والتي رغم ذلك أوصلت "ترامب"أخيراً إلى نصره المتوّج.

نجحت الفكرانية "البراجماتية" في أمريكا لأنّها كانت بمثابة جدل قائم بين المثالية الأمريكية والوضعيات والتطورّيات الفكرية الأوروبية، بل أعادت استثمار عناصر الأيديولوجية المبعثرة التي بشّر بها مفكرو ماقبل "الداروينية"، ورفض كل "الطوباويات " ومطلقات الحقائق النهائية، مؤكدة على الذكاء الذرائعي، والمجتمع التعددي أذهاناً وليس أعراقاً، قارنة الفلسفة بالحياة معتبرتها أسلوباً لحلّ المشكلات الإنسانية، مؤكدة قدرة الإنسان على تطويع واقعه، وفقاً لأهدافه وحاجاته، مشجعة آليات الشخص لتبرير المواقف بذريعة جلبها له المنافع.

لم أقرأ ولم أرَ كلمة "البرجماتية" في كل المحاكمات الفكرية للمترشح للانتخابات غصباً عن مؤسسة الحزب الجمهوري الرئيس الأميركي اليوم "دونالد تُرامب" المُدّبجة في مقالات مُبلْبِلة مُحيّرة لدستة من كبار كُتاب أميركا وصحفييها "والذين أوردت أسماء بعضهم عدا توماس فريدمان الذي "يكتب لنا"!: إيلي ليك، وغاري لانغر ، نايري وودز ، ديفيد بروكس ، في مقاليّ بموقع ليبيا المستقبل " كلينتون... التطهّر من خطيئة بنغازي2016/08/29 ،و"طبخة هيلاري والبهار هــوما 2016/09/04 ". .تلك المقالات الدسمة التي التهمتها بشراهة ودون هضم "معدتنا العربية" الشغالة طوال الأشهر الست الماضية كتابة وتحليلأ وتنظيراً وعقد آمال وتخويفاً بمآلات ومصائر والتي كلها انبنت على أساس "الأخلاقية الفجّة" ومبادئها وهي العُملة البائرة التي لاتمرّ في السوق الرأسمالي الذي مازالت تحرّكه وتتحرّك فيه الطبقة الشعبية الوسطى الأميركية التي تغذي اليوم مخاوفها وهواجسها تداعيات "العولمة" وتُلهم سلوكياتها وغرائزها وحاسّة شمّها المنافعية الرأسمالية بماركتها الأميركية القائمة على المذهب النفعي "البرجماتي" الذي كرهته مشاعرنا الشابة التي كانت تتغذى على الرومنطقيات والنزعات المثالية والذي تُرجم إلى العربية بـ "الذرائعي". مع الإبقاء على لفظة البرجماتية التي درّستها لنا مع فلسفات أخرى في كلية آداب بنغازي عام 1974 إلى 1977 كالشكوكية "الهيومية" و "منطقيات المنهج العلمي" تآليف وترجمات أستاذ الفلسفة المصري المرحوم "محمّد فتحي الشنيطي " ومكتبته الفلسفية الغزيرة في بدايات سبعينيات القرن الـ20 التي أثرى بها العقل الجامعي العربي .

(وليم جيمس) العمود الوسطي بين (تشارلز بيرس)، و(جون ديوي) في البناء الثلاثي الفكري الذي تقوم عليه الفلسفة المنافعية في كتابه "البراجماتية" الذي ترجمه أستاذنا" الشنيطي" يعيد الفكرة إلى جوهرها اليوناني القديم ويعني المداولة والمعاملة، مُلبسها طابعاً نفعياً، بالتعامل مع صدقية الأفكارمن منطلق القيمة الفورية cash value، المضمّنة في الورقة النقدية.

مفارقة "ترامب" أنه قلب في مقامرته الانتخابية المداولة بأن سحب الرصيد "النقدي" للعملة الذي يحقق حسب الرؤية البرجماتية أغراضنا باستمرار صدقيته وسريان مفعوله مالم يعترضه مانع يثبت زيفه وبطلانه، مستبدله بالرصيد "اللعبي" لعملة وصفت مدة الحملة الانتخابية من الجميع بالورقة المزيّفة، فهزأت بها كل الأيدي المحترفة، اللاعبة بأوراق عملاتها النقدية المتداولة والمألوفة في السوق الانتخابي الذي اغترب عن العملية والمؤسسة السياسية السائدة جمهوره وتغيّرت جذرياً معطياته.

هنري كيسنجر الوزير وصانع السياسة الخارجية الشهير، الذي يُسمع رأيه بانتباه في الرئيس الأميركي الذي يفوز في الانتخابات من "ريتشارد نيكسون1969 ـ 1974" الذي كان مستشار حكومته للأمن القومي حتي "بارك أوباما 2008 ـ 2016" الذي انتقد سياساته الخارجية التي أقعدت في رأيه أميركا على كرسي المتفرّج في حلبة النزاعات الدولية و"الشرق أوسطية" وهو يتحدث عن الرئيس "دونالد ترامب " الذي مثلنا كُلنا لم ينتظر أو يتوّقع فوزه على "هيلاري كلينتون" رسم المحددات الأساسية لمسؤولية " أيأ كان الرئيس للولايات المتحدة "في وضع التوجهات "ماذا نريد أن ننجز؟ من ماذا نريد أن نحتمي؟ وللقيام بذلك عليه التحليل والتدبر وهو الذي سيقوم به حسب يقينه الرئيس ترامب عندما يجلس يوم 15 يناير 2017 في مكتبه في المبنى البيضاوي بواشنطن.

التدبّر والتدبيركلمة التصقت قديما بالسياسة في "الإبيستمي الأرسطي" الفلسفي الذي ترحّل في مخيالنا الفلسفي الإسلامي القرووسطي في طريق معاكس ومفارق حتى اليوم عبر توجيهه السياسيين المجتمعي في مقترح "المدينة الفاضلة" المتخيّلة ومدبّرها السياسي الفيلسوف أو بالعكس من أبي نصرالفارابي حتى ابن رشد، أو التوّحيدي في مقترح اليوتوبيا الفاضلة المتخيّلة ومدبرّها الفيلسوف السياسي المغترب أو بالعكس من أبوبكر بن باجة حتى ابن طفيل في مقترح "حيّ بن يقظان" صاحب الجزيرة. كتّابنا ومحلّلونا الذين تقاسمتهم قناتا العربية والجزيرة التلفزيتان التابعتان لممالك البترودولاد أو البدودولار بوصف الفيلسوف "فؤاد زكريا" والذين يتقاضون بالدولار المقابل لمقالاتهم وتحليلاتهم التي يقتبسون أو يسرقون بسهولة الكثير من أفكارها من المقالات الدسمة التي يكتبها كتّاب أميركا.. هل يتدبرّون الآن فيما كتبوه ويعيدون إنتاجه في توجيه سياسة عربية منافعية أو ذرائعية نافعة؟. ربما هذا السؤال "الرجاء" هو ماسنكتب فيه في القادم من أيام "الترامبية" السياسية أو الرئاسية.