Atwasat

عائدات النفط .. والقيمة العادلة للدينار

عمرو فركاش الأحد 25 سبتمبر 2016, 12:05 مساء
عمرو فركاش

دبت مشاعر الأمل في أوصال المواطن الليبي بعد تحرير الموانئ والحقول النفطية من أيدي الجضران، والأمل دائماً مطلوب، وبدونه لا يقدر بنو البشر على مواصلة الحياة. لكن الإفراط في الأمل والبعد عن الواقعية غير مطلوب، خاصة مع شعب اعتاد قلة العمل والرزق السهل، وهي الثقافة التي جرى غرسها طيلة 42 عاماً من حكم القذافي.

حالة الأمل والتفاؤل التي غمرت الليبيين بعد تخليص الموانئ والحقول النفطية أسفرت عن صعود في قيمة الدينار الليبي أمام العملات الصعبة وهو أمر متوقع، إذ أن الثقة هي أهم وأول مبدأ يتحكم في أي سوق. وكان الجيش الليبي السبب الرئيس في استرجاع جزء من الثقة المنعدمة من الناس في دولة توصف في وسائل الإعلام بـ«الدولة الفاشلة».

هذا البريق من الأمل، الذي أدى إلى ارتفاع في قيمة الدينار، لم يستند إلى أساسيات اقتصادية ولا دراسة حجم المخاطر والمتغيرات المحيطة بالمشهد الليبي، وإنما استند فقط إلى ثقة المواطن في أن الأوضاع سوف تتحسن مع بسط الجيش سيطرته على مورد رزق الليبيين.

وفى الأيام السابقة، هجم الجضران وبلعم ومَن على شاكلتهما على منطقة الهلال النفطي رغبة منهم في إعادة السيطرة على المنطقة ومع هذا الهجوم (الفاشل)، عاودت أسعار العملات الصعبة الصعود أمام الدينار، وذلك لأن الجميع أيقن أن الطريق ليس بالسهولة واليسر المتوقعة.

لكن مع دحر هذا الهجوم عاود الدينار الصعود أمام العملات الصعبة، وهو تذبذب متوقع أيضا، إذ أن حالة الثقة والتفاؤل لم تبن على أساس اقتصادي ولكن على مشاعر، وهذا بالطبع يضع أمامنا أن قيمة الدينار ليست بكل تأكيد 5 دينارات للدولار الواحد، ولكنها ليست أيضاً 1.3 للدولار الواحد كما هو الحال في السوق الرسمية.

إذا افترضنا أن المتغيرات أو المخاطر المحيطة بالمشهد الليبي ستزول أو ستتلاشى فإن القيمة العادلة للدينار الليبي أمام الدولار يفترض أن تتراوح بين 2 و3 دينارات

إذاً كيف يتم احتساب القيمة العادلة للعملة؟
هناك أدوات عديدة من شأنها ذلك وأنا هنا لست بصدد أن أعرض على القارئ نظريات اقتصادية لقياس القيمة العادلة، ولكني أبسط على القارئ الصورة بشكل عام ومختصر بغرض إيصال جزء من الشكل الكلي، وماذا يجب علينا أن نتوقعه في المرحلة المقبلة.

بعملية حسابية بسيطة سيدرك الجميع بعدها أن المشوار طويل، ولكنه ليس مستحيلاً ليتعافى الاقتصاد الليبي، كي يسترد الدينار قيمته العادلة أمام العملات الأخرى: إذا افترضنا أن ليبيا من يوم غد باشرت في تصدير ما يقدر بـ1.5 مليون برميل نفط يوميّا، ومع افتراض سعر متوسط للبرميل يقدر بـ50 دولاراً، وأخذاً في الاعتبار أن تكلفة الإنتاج التي تقدر بقيمة ما بين 10 و15 دولاراً، يتبقى لنا 35 دولاراً يتحصل الشريك الأجنبي (افتراضاً) على نحو نصف هذه القيمة، فسيتبقى لنا في البرميل الواحد مبلغ 17.5 دولار.

وعليه فإن دخل ليبيا من الذهب الأسود سنوياً سيقدر بنحو 9.45 مليار دولار، أي بنحو 12.29 مليار دينار استنادًا إلى سعر صرف 1.3 دولار إلى دينار.

هذا الدخل عزيزي القارئ، لا يغطى سوى نصف بند الرواتب في الموازنة العامة ولا حتى يغطى بند الدعم الذي يبلغ نحو 15 مليار دينار.

وفي سياق متصل، تقدر فاتورة ليبيا للاستيراد في العام 2014 بقيمة 16 مليار دولار سنوياً، ولدينا عجز حالياً في ميزان المدفوعات، وهذا بالطبع سيستمر نظراً لاستحالة تغطية الوارد من دخل النفط لفاتورة الاستيراد.
وهو مايعني أن الحكومات المتعاقبة ستضطر إلى سد العجز من خلال سحب أموال من احتياطات ليبيا من النقد الأجنبي أو من خلال الاقتراض، ولكن يبقى السؤال الأهم، وهو ما القيمة العادلة للدينار الليبي أمام أقرانه من العملات الصعبة؟

إجابتي باقتضاب هي إذا افترضنا أن المتغيرات أو المخاطر المحيطة بالمشهد الليبي ستزول أو ستتلاشى فإن القيمة العادلة للدينار الليبي أمام الدولار يفترض أن تتراوح بين 2 و3 دينارات (للدولار الواحد) وذلك استناداً إلى معطيات وحسابات اقتصادية، أما إذا أردنا العودة لقيمة الدينار التي كانت عليه في 2010، فعلينا أن ننوع من مداخيلنا الاقتصادية بعيداً عن النفط، ولن يتأتى ذلك إلا من خلال وضع خطة اقتصادية طويلة المدى واستقرار على كافة الأصعدة. أخيراً، الحلول لازلت موجودة ولكن كلما مر الوقت، يزداد الموقف صعوبة.