Atwasat

تطبيقات إينشتاين في حياتنا

نجوى بن شتوان الثلاثاء 23 أغسطس 2016, 12:39 مساء
نجوى بن شتوان

إذا غامرت في شرف مروم فلا تقنع بما دون النجوم
فطعم الموت في أمر حقير كطعم الموت في أمر عظيم
(المتنبي)

كانت أيام الأسبوع في الماضي تمضي بطيئة وفقاً لنظرية النسبية الليبية، فعندما سافر توأم بوعجيله (بوعجيله بو) للفضاء الخارجي، ترك توأمه في ليبيا، ليمكث هو هناك خمسة عشر قرناً، عاد بعدها إلى الربوع البوعجيلية في ليلة لا ضوء فيها (حسب نسبية إينشتاين سيكون أصغر عمراً من توأمه).

لم تكن عودته مفاجأة، فالغريب سيعود لوطنه ميتاً أو لكي يموت، كانت المفاجأة بالنسبة لعجيلة بو، هي الزمن الذي لم يتغير والحياة الجامدة كما تركها منذ خمسة عشر قرناً، على عكس المقتنيات المادية، التي تطورت بشكل لافت، حتى أنه كاد يشك لولا وجود بوعجيلة حولها،أنه أخطأ عنوان وطنه وعاد لوطن الجيران.

فبوعجيلة استبدل الجحش بسيارة دفع رباعي من تلك التي يأتي بها التمشيط، وازدادت طوابق بيته ارتفاعاً وتعددت زوجاته، وكثرت ذريته وكبر كرشه وزاد اختلاطه بالمتأفغنين واشتد حرصه على وضع الساعة وخاتم الفضة في اليمين، ولازم عود السواك والسوسة فمه، إضافة إلى إشارة أخرى هامة وهي اختفاء المالقي الأحمر البلاستيكي من الحمام وظهور كثيف لخيوط الشحن التي تنبيء حسب قراءة الفص الأيسر من الدماغ، بأنهم أصبحوا عائلة منفتحة على التطور التقني.

رغم أن بوعجيله بدأ حياته موزعاً للمياه البلاستيكية على ظهر سيارته الداتسون. وانتهى به الحال صاحب مطار وشركة طيران في العاصمة. رغم خطوط الطيران وتعدد خيوط الشواحن التي تربط آل بوعجيله بالعالم، إلا أن بوعجيله بدا لتوأمه كائنا خرافيا غريبا، سيما عندما يتحدث أو ينبطح على وسادتين أمام التلفزيون ليتابع أحداث بلاده ويضع حلولاً لمشاكلها، وينتخب تاجر ماشية ليمثله في البرلمان وتاجر أعلاف للمجلس البلدي، بدا غريباً جداً مثل ديناصور دخل زنقة لاطمة ولم يستطع الخروج منها.

كان بوعجيله رغم مشاغله الكثيرة، يشعر بالشيء نفسه تجاه شقيقة العائد من الغربة ويجد له العذر في اختلافه لكونه ابتعد مدة طويلة عن عاداتهم وتقاليدهم الراقية الأصيلة وتشبع بمفاهيم قذرة تخالف ماكان سائداً عندما حملت بهما أم بوعجيلة الأول رحمها الله، كان يرى بأن الهجرة يجب أن تكون لجبال تورابورا أو لا تكون، وعلى أي حال راهن على الزمن الليبي الجميل بمسح أي تأثيرات منفتحة يدركها المرء، بمجرد أن يضع رجله في تراب الوطن الغالي ويتعفر حذاؤه به. كان بوعجيلة يعول على التراب، وعجيله بو يعول على الفضاء، وكلاهما غايته التغيير.

ضرب بوعجيله بكفه المنبعجة على بطنه الممتد من خط طول 30 شرقاً إلى خط عرض مجهول غرباً، وقال : احنى شعب محافظ ووسطي. ولم يكن بالطبع يقصد بالوسطي أي وسط غير ديني، لا سمح الله.

لم يبقَ لنا من حل لإخراج ليبيا من دوائر الفشل المتراكم إلا أن يكرر عاشور شوايل (وزير الداخلية الذي استقال منذ ثلاث سنوات) استقالته مجدداً

دارت كف (عجيله بو) على لحيته الكثة واستغرق في النظر للسقف صامتاً، ما أوقع زوجة بوعجيله التي تتولى علفه ذاك اليوم، في الحرج الشديد، فلعل سلفها انتبه لبيوت العنكبوت غير الواهية في سقف بيتها الواهي، وسيشير على أخيه بتبديلها كما استبدل الجحش والداتسون. لو لم يكن ذلك ما يفكر به حقاً فلماذا ينظر للسقف ولا ينظر إلى وجوههم، وبما ينماز السقف عليهم؟

قال (عجيلة بو) في نفسه الكثير وهو ينظر أبعد من سقف بيت أخيه، قال عن عدم قدرته على التكيف والاندماج في مجتمع وجده يغرق في ظلامين، ظلام سببه العزلة الطويلة وظلام سببه تردي الأوضاع المعيشية والصراع على السلطة. لذلك كان وقع الزمن عليه ثقيلاً، أثقل حتى من كرة أبناء بوعجيلة التي أصابته من نافذة المربوعة، في خضم استعداداتهم لدوري الستاك.

كان اعتيادياً في منظومتنا الفكرية في ليبيا تسمية زمن الماضي البليد، بالزمن الجميل، وهي نظرية النسبية الليبية التي عالج بها الليبيون جراح الزمن، تهويناً لمصيبة العيش، فيما كان إينشتاين يعالج الزمن بطريقة مغايرة جداً احتفاءً بالمستقبل الذي يريد أن يعيش فيه كما قال. المستقبل، أي الزمن غير الموجود في توقيتنا والذي يبدو أننا لسنا في حاجة إليه، إذ يكفينا الماضي العريق الذي نعيش فيه و نتغنى به.

كانت وحدة قياس الزمن الوحيد المهيمن على حياتنا، هي الموضوع الذي يستطيع السيطرة على اهتمام الناس، هناك مواضيع يستغرق استهلاكها ثلاث ليال سوية (تعمل هذه المواضيع بنفس آلية المحشي الليبي إذ يمكن تكرار تسخينه لمدة أقصاها ثلاثة أيام) وهناك مواضيع تتلاشى بمجرد مرور ساعة عليها ( تعمل بآلية قمع الجيلاتي، المخبأ في الفريزر وراء ثلاثة أكياس من الدجاج المجمد ونصف بصلة).

فيما تمسح بعض المواضيع مسحاً كاملاً بعد مرور يومين عليها (تعمل بآلية عصبان الوليمة) وتصمد أخرى أسبوعاً رغم الإقبال الجماهيري عليها، ليس لاحتوائها على بعد إنساني لا قدر الله، بل لاحتوائها على عنصر جنساني يلبي وجوده فيها رغبة التلذذ بتكرار الحكاية، حتى وإن كانت الحكاية التي تتضمنه مكذوبة ولا أساس لها من الصحة (تعمل بآلية علبة الطماطم المعجون في المطبخ الليبي).

ذلك لتبيان أن الناس تختبيء وراء التكرار لحاجتهم إليه، فكلما زاد عدد المحتاجين لتيمة صغيرة تكمن داخل تيمة كبيرة، زادت فرص بقاء الحدث على لائحة التداول الأسبوعي.

في الأسابيع الماضية، احتل صدارة المواضيع لص وطني ليبي من لصوص البترول الذين تتعدد تخصصاتهم واستراتيجياتهم في تدمير الوطن، أتى ذاك اللص بما لم تأت ِبه الأوائل من اللصوص أو حتى بارونات المخدرات في أمريكا اللاتينية، إذ دعا الأمم المتحدة وحكومة بلاده لفتح موانيء نفطية كان قد أغلقها منذ قرابة ثلاثة أعوام.

كانت لصوصية اللص محور اهتمام الاقتصاديين الليبيين والأساتذة الجامعيين والمخططين الاستراتيجيين والمعلقين الرياضيين، وخبراء خبزة التنور والعاملين عليها وأعيان شعبية الفقوس كذلك.
ولاننسى القانونيين الذين فرختهم الجامعات الليبية، عوضاً عن خدمة الوطن وقت احتياجه، ذهبوا ومارسوا الجلوس على مقاهى تونس ومصر ومالطا، يحللون، يدققون، يشجبون، يدخنون الأرجيله، يتجرعون مرارة المكياطة خارج الوطن، ورغم توفر سوق جريمة أمامهم للعمل فيه، لم يتصد واحداً منهم لجريمة إنسانية أو اقتصادية أو دستورية حدثت ومازالت تحدث في ليبيا، وإن بإعداد شكوى أو طلب مقاضاة.

كان اللص البترولي أشجع منهم كلهم وأكثر كفاءة في مهنته، فقد مضى في برنامجه اللووي (النووي) هو وثلة من سقط المتاع حوله، واستقبل مبعوث الأمم المتحدة وألقى كلمة بحضوره يعرب فيها عن سعادته بفتح الموانيء النفطية التي ورثها عن والده وجده.
فطوبى لسقط المتاع وأحدهم المبعوث الأممي إلى ليبيا، مارتن كوبلر.

لقد تركهم يرفلون رفل البغال المجنونة وقبض ثمن فهلوته للمرة العاشرة عشر، وقد يجرهم إلى حرب تحرق ماتبقى من موانيء قبل أن يذبح ذبح البعير المريضة.

في نهاية أسبوع اللص الوطني ورهطه ومهربي البنزين بالناقلات، حل موضوع السبَّاحة الليبية (دانيا حجول) في أولمبياد ريو، صدارة الأحاديث وشارك فيه الجميع من كل الزوايا والأسقف والأبعاد والتأثيرات، تلك التي يتركها ارتداؤها ملابس السباحة على مستقبل الأجيال في ليبيا، وانعكاساته على مجريات الحرب الأهلية الليبية، وتطور صناعة شباشب المليشيات، ومستوى الطاقة اللطيفة في شتائم الشعب لبعضه، ودرجة خصوبة الكذب والنمو الطردي للفقر التربوي الذي تعانيه الأمة، وسرعة هروب الضوء في ليبيا مقارنة بسرعته في الفضاء الخارجي، وفيزياء التعرق في طوابير المصارف والسيولة والإدرار، والدفاع عن مسلمي بورما الذين مافتيء الفيسبوك يقتلهم في مذابح رهيبة بين الحين والآخر، وكفاءة عمل لجنة الطاقة بالبرلمان الذي مكانه شرم الشيخ وليس طبرق، وإمكانية القذائف العشوائية على إصابة أهدافها بدقة تزيل عنها شبهة العشوائية وتسهل لحكومة الوافق إعلانها إرهاباً ممنهجاً ومدعوماً.

هذا وترتب عن نزول الفتاة للحوض الأولمبي في غيرما الزي الوطني الليبي، زيادة عدد المتمسكين بحجاب المرأة من الرجال (لاحظ من يتحدثون دائماً عن الحجاب هم رجال!) الذين يرون فيه شرفاً وحيداً لليبيا، بعدما فقدت ليبيا شرفها بفسادهم متعدد الأنواع والمجالات، واحتلالها مراكز متقدمة في التصنيفات العالمية.

عليه لم يبقَ لنا من حل لإخراج ليبيا من دوائر الفشل المتراكم، إلا أن يكرر عاشور شوايل (وزير الداخلية الذي استقال منذ ثلاث سنوات) استقالته مجدداً، وأن تسعى دانيا حجول لخسارة الأولمبياد، حتى نستبدل الاغتيالات بالحرب في بنغازي ويشعر الليبيون بأن لعنتهم أصابتها وأن الله يسمع كلامهم كالعادة ولا يرفض لهم دعاء. إنها إن فعلت تقدم خدمة عظيمة لأبناء شعبها الملحاح في الدعاء بالشر.

وهي وإن خرجت من الأولمبياد إلا أن زمنها الذي سجلته داخل الحوض الأولمبي (1:25:47 دقيقة وخمسة وعشرين ثانية وسبعة وأربعون جزءاً من الثانية) عادل ألف عام من العزلة في ليبيا، وهو رقم قياسي وأولمبي كذلك، قدمه الليبيون للعالم عبر ردود أفعالهم على ملابسها وليس عن مشاركتها، ثم سينسونها الأسبوع المقبل بالتأكيد إذا استطاع العنصر الجنساني في الحدث القادم أن يصمد أكثر من قمع الآيس كريم خلف أكياس الدجاج.