Atwasat

الدولة العميقة والإسلامية الموازية

نورالدين خليفة النمر الأحد 24 يوليو 2016, 10:45 صباحا
نورالدين خليفة النمر

"الأردوغانية" ربما ستصنّف في البيوغرافيا، أو السيرية السياسية، بثلاثة مظاهر أو سمات:العشوائية، والديماغوجية، والسَكِّ. أي اصطناع المصطلحات في المعجم السياسي، المبهمة مفهوما، والفقيرة معنىً، والسطحية تداولا واستخذاما كـ"الدولة العميقة" قبل الانقلاب و"الإسلام الموازي" بعد الانقلاب الذي ستبحر بنا تداعياته عبر ردّات السياسات العشوائية والديماغوجية إلى قرار المُعَجم الذي ربما ستنتهي فيه الظاهرة السياسية "الأردوغانية" ذاتها.

الذين استطلعت آراؤهم في تقرير صحيفة (الوسط) الليبية تمنّوا، مع ليبيين آخرين استطلعت مواقع التواصل الألكتروني آراءهم، نجاح الانقلاب وسقوط (حزب العدالة والتنمية) مع زعيمه (رجب الطيب أردوغان) بتعلّة تدخله في النزاع الليبي ووقوفه في صف "تيار الإسلام السياسي". بل أيضا توفيرالملاذ الآمن للكثير من قادة الجماعات السياسية المسلحة في ليبيا واستقطاب، وتدوير البنوك التركية لأموالهم المنتهبة مما تبقى من الدولة الليبية، ومصداقه ما أوردته الصفحة الألكترونية لـ(ليبيا المستقبل) فيما رشح عن موقع "ويكليكس" بضلوع قائد "الجماعة الليبية المقاتلة"، الذي يدير منذ عامين أنشطته التجارية والمالية من تركيا، في استثمارات وعمولات مالية مشبوهة في ليبيا العشوائية التي تغيب فيها الاستقصاءت العلمية لأربعة عقود بتغييب الدكتاتورية الفوضوي المستمر لمؤسسة الدولة، يجدر بنا توخّي الشكّ في مضمون وآلية التحرّي الإعلامي للآراء، والتدقيق فيما إذا كانت العيّنة المستطلعة،عشوائية، أو مرتّبة ومصطنعة مسبقا من الكاتب. وهو مابدا في الآراء الواردة في التقرير والمقاربة في مستوى التأشير والتأطير بين رأي معلم المدرسة وفني المختبر الكيميائي، وربما سائق التاكسي، وبين أستاذ العلوم السياسية الجامعي، الذي وإن تحفّظ على مشروعية الانقلاب، فإنه أظهر فضيلته في حالة نجاحه في التخفيف من ضغط صراع السلطة والمال في ليبيا. وربما لتوليده تداعيات إيجابية على الحالة الليبية وبناء الدولة.

من عالم الأماني ندخل عالم التهاني ،وإبداء مشاعر الغبطة من فشل الانقلاب على الديمقراطية والدستورية التركية! التي تهاطلت على الرئيس آردوغان من مسؤولين ليبيين أكثرها إثارة للتقزز تلك التي أبداها رئيس"المجلس الأعلى للدولة" وهو مؤسسة مصطنعة بطرائق ضد ديمقراطية وتعمل بانقلابية ماقبل الدولة أو ضد الدولة في ليبيا المنقلبة، والفاشلة التي تغيب فيها أبسط معالم الدولة.

نحن الكتّاب الذين نُركن في هوامش العزل، و نقبع على العتبة بين المواطنين المُحبَطين والسياسيين المُبتهِجين! نفترض مضمونية تفكير وآلية تحرٍّ مغايرة تتجاوز الإحباطات والابتهاجات، وتكشف خلل بنى السياسة والمجتمع في الدول الإقليمية المتورطة في النزاع الليبي، وأبرزها تركيا التي تعني، تداعياتها الراهنة المنقسمة والمنفصمة الحالة الليبية المشقوقة هي الأخرى منذ أربع سنوات، بالانقسامات والانفصامات الدامية، وهو خلل تمتّد جذوره في تاريخ تركيا وسياستها الخارجية بين القرنين 19 و21، وشملت بعض إرباكاته الليبيين وحركة مقاومتهم للاستعمار الإيطالي والأجنبي بدء العشرية الثانية من القرن 20، وحتى نهاية الحرب العالمية الأولى التي بدأت عام 1912 بتمويل وزارة الحربية التركية بتأثير من (أنور باشا) الضابط البارز بطموحه ونزعة شبابه المغامر في جمعية الاتحاد والترّقي القيام بعمليات عسكرية فدائية استهدفت صوريا دعم المقاومة الليبية ضد الغزو الإيطالي، وجوهريا استغلال القضية الليبية، ضمن قضايا أخرى، لإعادة تأهيل الدولة العثمانية لتكون مؤثرا فاعلا في الاستقطاب الغربي الممهد للحرب العالمية الأولى، التي خسرت تركيا مغامرتها فخسرت ليبيا في الشرق عام 1916 جيشها السنوسي الذي قضى في المواجهة مع الجيش الإنجليزي على الحدود المصرية، وخسرت في الغرب مزايا الاستقلالية السياسية التي ضمنها (القانون الآساسي) ثمرة "الجمهورية الطرابلسية". المفارقة أن أحد قادة (جمعية تشكيلاتي مخصوصة) التي نفذت المغامرة هو (كمال أتاتورك) باعث تركيا العلمانية الحديثة، ومؤسس جيشها الضارب الذي مازالت رمزيته تهيمن على قياداته التي تدين له حتى اليوم بالولاء والتقديس.

الكاتب (وليد أبو مرشد) في مقاله بـ(الشرق الأوسط) فيما وصفه بـ"المرض التركي المزمن" ذكر مجموعة من الانفصامات مشيراً إلى واحدة كشف عنها الانقلاب المحبط في2016.07.15 هي:"لا أطلسية تركيا بكامل الانتساب السياسي ولاشرق أوسطيتها بكامل الانتماء الجغرافي".

وهو انفصام نتبينه بالعودة إلى تاريخ "الثورة الليبية" في 17 فبراير 2011 -الذي تحاول الأطراف الليبية الموالية للسياسة التركية اليوم في ليبيا تناسيه- بتقييم معارضة تركيا للموقف الدولي المؤيد للثوار الليبيين الذي تصدرّته وقت ذاك بريطانيا وفرنسا. التي تُلحظ فيهاغرابة الانفصامية التركية التي انشعبت بواحدية حلف شمال الأطلسي ومعارضة قراره التدخّل العسكري، لفرض منطقة حظر جوّي على ليبيا الموقف الذي شكّل- حسب "تقدير الموقف" الصادر في 18 .03، 2011 عن المركر العربي لدراسة السياسات بالدوحة- نقطة استفهام لدى المراقبين السياسيين خاصّة أنّ تركيا سبق لها أن شاركت في عدّة مهمات تدخّل فيها حلف الناتو، كما حصل في البوسنة والهرسك، وكوسوفو،وأفغانستان.

تبنّي حزب العدالة والتنمية لمبدأ "عدم إنتاج ردّ فعل"المؤطر للممانعة التركية لتدخّل عسكري لقوات الناتو في حدث الثورة الليبية، نُظر إليه دوليا على أنه عرقلة للدول الغربية وخاصة فرنسا- لمعارضتها الدؤوبة لتقدم المساعي التركية للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي- بأن تستعيد نفوذها التقليدي في شمال أفريقيا. وهو ما يهدّد المصالح والدور التركي الذي أسس له وزير الخارجية السابق (داود أوغلو) فيما عرف عام 2010 بتوجّه "العثمانية الجديدة " بالذات في البلدان الشمال أفريقية التي محورها ليبيا الغنية، مقارنة بعدد سكانها، بالموارد المعدنية وغيرها من الثروات.

يشخّص الأكاديمي (عمر تاشبينار) مدير البرنامج التركي في مؤسسة "بروكنز" "العثمانية الجديدة" كـ : دّال للنشاط السياسي التركي الجديد في الشرق الأوسط المفصوم بدافعين متناقضين: من جهة "العثمانية" أي الدافعية المشجّعة للتدخل خارج الحدود الجالبة نفوذا وتأثيرا لتركيا في محيطها الشرق أوسطي، ومن جهة أخرى "الكمالية" التي تسعى إلى حماية العلمانية التركية والهوية الوطنية من مهددات تنامي شعور قومي "كردي" يضعف في حالة تبني مفهوم "العثمانية الجديدة" شعور الوطنية التركية بأبعادها العلمانية المؤربة والمنزاحة عن الموروث العثماني الإسلامي.

بقدرية معاكسة لسياسة "زيرو مشاكل" أوـ صفرية المشاكل ـ مع دول الإقليم المعلنة من طرف المخطط الاستراتيجي للسياسة الخارجية التركية ( داود أوغلو) توّرطت الدولة التركية في مستنقع الأزمات المعضلة في منطقة الشرق الأوسط بتبنيها المواقف العشوائية بديماغوجية انخراطها في الصراع الفلسطيني/ الإسرائيلي بأن تكون صوت الفلسطينين الذين لاصوت لهم، وبانتهازية تهاونها إزاء الخيار النووي الإيراني وخلط مصالحها في ملفات اقتصادية أخرى مع نظام آيات الله، وغموض موقفها من أزمتي العراق، وسوريا ومن تنظيم الدولة الموهومة (داعش)، وبإصرارها في مصر على دعم راديكالية الأخوان المسلمين، وفي ليبيا المساهمة الفعالة عبر مناصريها في إرباك وإفساد العملية السياسية بتأييد ودعم أطراف جهوية، وتبني تنظيمات إسلاموية منافعية وفاسدة وغير مؤهلة لإدارة الشأن السياسي.

الخطوط العامة التي حددها الكاتب التركي (جانكيز تشاندر) لـ "الدولة العثمانية الجديدة" باستخدامها " القوة الناعمة" لترجمة الفلسفة الاقتصادية إلى فلسفة سياسية تتوخى صوراَ ذهنية تفتح آفاق المستقبل لكل لاعب سياسي إقليمي في المنطقة الشرق أوسطية، والمساعدة في إطار استراتيجيتها الرامية إلى أخذ وضع المسافات المتساوية في علاقاتها للسعي لضم المكوّنات الإقليمية المؤثرة للنظام العالمي واقتصاده الدولي. كل ذلك بدأ التنكر له باتباع حزب العدالة والتنمية، خارج الحدود، لسياسات عشوائية جلبت لتركيا تذّمر واشنطن التي ربما بدأت- عبر رسالة الانقلاب- التفكير في طرح بديل سياسي يقوده إسلام بديل يمثله الداعية الإسلامي الصوفي (فتح الله غولن).

من الثوابث الذهنية (للأخوان المسلمين) التي يتبنّاها ربما لاشعوريا رئيس حزب العدالة والتنمية التركي، صياغة وصف أو سكّ إسم مخفّض لرمزية الفكر والتوجه السياسي الذي يخافونه ويحذورن أن يكون بديلا لهم، لذا سُمّي حزب "الخدمة" أو "المعاملة" التي هي جوهر الدين الإسلامي بالحزب الموازي، وليس بالحزب البديل… هذه التسمية نحتاج لإضاءتها كتابة مقال ثان في مرة قادمة.