Atwasat

مارتن كوبلر.. والمَرَاغة الروبنسونية!

نورالدين خليفة النمر الإثنين 20 يونيو 2016, 02:44 مساء
نورالدين خليفة النمر

الخبر المنشور في موقع «بوابة الوسط»، الأربعاء 15 يونيو 2016 ، عن موقع «دويتشه فيله» بمشاركة ألمانيا في المهمة الأوربية (صوفيا) الممددة الصلاحيات قبالة السواحل الليبية تداعى في ذهني مع خبر آخر عبر موقع «بوابة الوسط»، ذاته الخميس 2 يونيو 2016، عن تغريدة للمندوب الأممي لدى ليبيا، مارتن كوبلر، عبر حسابه الشخصي بموقع «تويتر» بأن «نائبة رئيس البرلمان الألماني، كلوديا روث، ترحب بالانخراط القوي في عملية إنماء ليبيا»!

متابعتي للشأن الانقسامي - الاحترابي الليبي، منذ التحول السياسي العاصف في 17 فبراير 2011 وما أعقبه من فوضى معممة سواء من خارج ليبيا حتى 14 يناير 2012 ومن داخلها لسنتين ونصف حتى 29 يوليو 2014 ، ومن خارجها معزولاً ومقصيًّا بتهمة البطل الكافكاوي (جوزف ك)، غير المسببة بالقانون المأفون لـ«العزل السياسي» تجعلني أتكهن بأن منظمة (الأمم المتحدة) تخلت استثناء لسبب ربما يتعلق بالحالة الليبية ذاتها عن تقليدها الإداري العتيد وهو توصيف وظيفة ومهمة المندوب الأممي.

المراغة اسم مصدر للفعل مرغ أو تمرغ المعروف ولكن بالعودة إلى معجم اللغة العربية الغزير بالترادفات والمعاني وجدتُ معنى آخر للفعل مطابقًا للمقام حسب ما خبرته من السياسة الألمانية

في حالة ممثلها الأول اللبناني طارق متري، والوسيطين اللذين أتيا بعده: الإسباني، برناردينو ليون، والحالي الألماني، مارتن كوبلر. والتوصيف الذي أعنيه ليس ما نقصده نحن المختصين في الفلسفة بالتوصيف الظاهراتي (الفينومنولوجي) أو العلمي/ المنهجي (الإبستمولوجي)، بل التوصيف العامي الذي يقترب من طبيعة وفطرة الليبيين الأصلية التي زيفتها وأفسدتها الهمجيات والفوضويات الديكتاتورية طوال أربعة عقود عجاف، 1969 - 2011 وعادت فوحشتها البدائيات التي أطلقتها ثورة 17 فبراير 2011 الليبية ومازالت بفوضوياتها المسلحة؛ وهي البدائيات الفطرية التي وُصفت بـ «الروبنسونية»، التي ساق بعضًا من وحشياتها ودموياتها الباسيفيكية المقاربة للدمويات الليبية الكاتب (دانييل ديفو) في روايته الملهمة «ربنسون كروزو» التي تشير الأبحاث المقارنة إلى أنه استلهمها في شكلها التخييلي، وليس في مضمونها المعرفي-الإنسانوي عن رواية «حي بن يقظان» بترجمة ـ (إدوارد بوكوك) اللاتينية العام 1671م للفيلسوف العربي (أبوبكر بن طفيل)، وتابعه فيها مضاهيه الفرنسي (ميشال تورنيه) الذي كتبها باسم بطلها (جمعة) مستلهما مناخات فلسفة مواطنه الفرنسي في القرن 18 الفيلسوف (جان جاك روسو). ملهم البديل الطبيعي للبديل السياسي البيئوي الذي أسس له (حزب الخضر) الألماني الذي يعتبر الوسيط الأممي كوبلر من عقول السلام فيه وهو ما أهله للترشح للمهمة الأممية لفض النزاع في الكونغو التي سبقت مهمته الليبية.

الكاتب الفرنسي (ميشال تورنيه 1924-2016 Michel Tournier -2016) في روايته التي حملت عنوان (Vendredi ou les Limbes du Pacifique ) وترجمتها «جمعة... أو حواف الباسيفيكي»، التي ضاهى بها قصة (دانييل ديفو) الشهيرة (روبنسون كروزو) مؤهلاً للفوز بجائزة الأكاديمية الفرنسية عام 1970. يخصص في روايته فصلا توصيفيا لما يشبه نزعة روبنسون كروزو للهروب من إحباط واقع الضياع المؤسي في الجزيرة المعزولة، الذي رمى بنفسه نسيانا، وهروبا في «المراغة» أو بدارجتنا الليبية» البليعة أو البالوعة» بما اعتادته (خنازير البيكاري) التي لحظها تطمر أبدانها أثناء ساعات القيظ في مستنقعات الغابة، فتضرب ماء المستنقع بقوائمها إلى أن تشكل طينا سائلا تغوص فيه حتى رؤوسها لتتمكن من التنفس غاطسة بجسمها في المراغة حماية لها من الحر والبعوض.

تذكرت مُراغة المَهَربْ الـ «روبنسونية» وأنا أقرأ نقلاً عن موقع «بوابة الوسط» الخميس 2 يونيو 2016 تغريدة المندوب الأممي لدى ليبيا، مارتن كوبلر، المذكورة آنفًا، مصرحًا بامتنانه «بترحيب» نائبة رئيس البرلمان الألماني، كلوديا روث، بالانخراط القوي في عملية إنماء ليبيا»! الذي جاء تدعيمًا لمضمون حديثه أمام لجنة الدفاع في البرلمان الألماني (البوندستاج) عن الوضع الأمني في ليبيا واحتياجاته المطلوبة وكذلك وضع اللاجئين، مخاطبًا إياهم بأن: «لا يغضوا النظر أبدًا عن مَن هم بحاجة للمساعدة ولا يهابوا المخاطرة أبدًا. و يتصرفوا ولا يسألوا». وبما أني لا أملك حسابًا على «تويتر» يسمح لي بالاطلاع على نص تصريح (م.كوبلر)، ركنت إلى وثاقتي في الترجمة من الإنجليزية إلى العربية لـ«بوابة الوسط» فيما نقلته، ومتحريًّا التيقن، دخلت على الصفحة الشخصية للنائبة البرلمانية والقيادية في حزب الخضر الألماني، كلوديا روث، على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» فوجدت إدراجًا لها باللغة الألمانية ما زاد يقيني بصحة الخبر مع تصحيحات نافلة بأن الحديث كان أمام « لجنة التنمية» في البرلمان الألماني، وأن السيدة (روث) تقدر وتدعم مساعي الوسيط الأممي، وجهوده في إرساء المصالحة، وبث رؤية سياسية من أجل إعادة دعائم الدولة، معبرة عن سعادتها بلقائها المجدد بـه رفيقًا قديمًا، ودبلوماسيًّا مرموقًا رمى به [وهذا تكهن مني] اليأس الليبي في مراغتها البرلمانية الروبنسونية الخضراء.

المراغة اسم مصدر للفعل مرغ أو تمرغ المعروف، ولكن بالعودة إلى معجم اللغة العربية الغزير بالترادفات والمعاني وجدتُ معنى آخر للفعل مطابقًا للمقام حسب ما خبرته من السياسة الألمانية في ما يخص أحوالنا «الشرق- أوسطية» المؤسية، وحسب ما درسته بـ«الماجستير» في ألمانيا السنوات 1994 ــ 2003 وبأزيد من ربع قرن عشته فيها ومازلت.. هو: «أمْرَغَ : أي أكثر الكلام في غير صواب» وهو ما يعبر عنه بالعبارة اللسنية الألمانية الشائعة «Bla .. bla».

وصف كلام كوبلر وصديقته القديمة ورفيقته في حزب الخضر، كلاوديا روث، فيما يخص الأزمة الليبية بـ«Blabla» يوافقني فيه أحد المعلقين الألمان على تصريحها في صفحتها على الفيس تحت اسم (بيتر روس)، الذي يصفها فيه بإمكانية أن تكون الإنسانة الطيبة، والرسولة الكاملة، بل حتى القسيسة الخيرة، أما في السياسة فإنها إطلاقًا في غير مكانها المناسب كرفيقيها في رابطة 90 لحزب الخضر وعضوي البرلمان (البوندستاج) (آنتون هوف رايتر)، و(كاترين غورنغ ـ إيكارد) الذين يرغبون في إنقاد العالم، والترحيب بكل شعب لاجئ، ولكن مَن يتحمل تكلفة هؤلاء فهو لا يهمهم.

الجمال الوحشية المنفلتة من عقال النظام والقانون وأعني (الاحترابيين الليبيين) في العاصمة طرابلس هم من قابلتهم (كلاوديا روث)

(أورزولا فون ديرلاين)، المرشحة عن الحزب الديمقراطي المسيحي ذي الأغلبية الحاكمة في البرلمان الألماني لوزارة الدفاع، والحاملة في لقبها العائلي الشارة الأرستقراطية، والمرأة الاستثنائية التي، إلى جانب وظيفتها المثقلة بالأعباء، أم لخمسة أبناء والتي بحكم منصبها، ومكانة حزبها في السياسة الألمانية ملزمة بأن تقرن أقوالها بالأفعال، أكدت خبر المشاركة الألمانية في تنفيذ قرار «مجلس الأمن» القاضي بمراقبة حظر الأسلحة على ليبيا، وتفتيش السفن المشبوهة بحملها في المياه الإقليمية الليبية. في الجانب الليبي المقارب في فطريته وطبيعته للمجال الباسيفيكي الذي ألهم دانييل ديفو المغامرة «الروبنسونية» علق عضو لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب بأن «توسيع عملية صوفيا» يُعد تقليلاً من شأن السيادة الليبية! وهو بدوره إهانة للأمم المتحدة لأن أوروبا تقرر نيابة عنها وعن الليبيين». فطرية هذا التصريح وعفويته، كون وظيفة المُدلي به الأصلية «طبيبا»، لا ينبغي لهما أن يدفعانا إلى تهوينه، فعدا عن كونه صادراً عن عضو «كتلة السيادة الوطنية» المتشددة والمعرقلة منذ 6 أشهر لأعمال البرلمان الليبي فهو نجل قائد صقور الجو في سلاح الطيران العسكري الليبي! الملموسة أفعاله في تأجيج الاحتراب الليبي-الليبي. وحتى ننهي روايتنا «الروبنسونية» الليبية بعبرة خاتمة فإني أسرد كالعادة حكاية (Anekdote):

التقيت بمدينة كولن عام 2005 في نشاطية ألمانية مضادة لجدار إسرائيل العازل بالسياسي الألماني المخضرم والوزير في حكومة «هلموت كول» الذي امتدت مستشاريته لألمانيا 16عامًا (نوربرت بلوم). ونحن نتجاذب أطراف الحديث أخبرني أنه كان عام 2003 ضمن فريق سياحي في رحلة من تونس عبر غدامس إلى الصحراء الليبية، فسألته متلهفًا إن كان قابل سياسيًّا أو شخصًا رسميًّا في رحلته الليبية، فأجابني مبتسما بسخرية ألمانية «بلى.. قابلت جِمالاً ليبية وديعة بين كثبان الرمال.. وهذا أسعدني». الجمال الوحشية المنفلتة من عقال النظام والقانون وأعني (الاحترابيين الليبيين) في العاصمة طرابلس هم من قابلتهم (كلاوديا روث) حسب ما أورده الموقع الصحفي «Der Spiegel Onlin» في 06.06. 2012 ـــ حيث منعت ميليشية مسلحة طائرتها من الإقلاع إلى تونس، فاضطرت في اليوم التالي إلى السفر بالسيارة محتملة وعثاء الطريق على أن تبقى أسيرة في جزيرة ليبيا الربنسونية!