Atwasat

نيبال.. الأقرب لوضعنا في «تأسيسية الدستور»

البدري محمد الشريف السبت 28 مايو 2016, 09:21 صباحا
البدري محمد الشريف

يدور بعض الجدل حول مقاطعة بعض أعضاء الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور أعمال الهيئة، ويخلط البعض بين الغياب عن حضور الجلسات والمقاطعة المسببة. فمقاطعة أعمال وجلسات الهيئات السياسية سواء النيابية منها أو الدستورية للتعبير عن موقف ولتعطيل النصاب، هو من الأعراف الديمقراطية المتبعة للتعبير عن الرأي. وتكاد لا تخلو مؤسسة سياسية من هذه المؤسسات خاصة في الدول التي تشهد صراعات سياسية وتمر بمراحل انتقالية من هذه الظاهرة.

لقد شهد المجلس التأسيسي التونسي الكثير من أعمال المقاطعة من قبل الأعضاء والكتل السياسية الموجودة فيه، وعندما بلغت الأزمة السياسية ذروتها فقد تم تعليق نشاط المجلس المكلف بكتابة الدستور لعدة أشهر، ولم يستثن من ذلك اللجان المختصة بصياغة الدستور. وبعد تدخل 4 منظمات تونسية على رأسها الاتحاد التونسي للشغل في عملية الوساطة، ثم التوصل إلى تفاهمات أدت إلى عودة المجلس التأسيسي لعمله ومن ثم إنجاز الدستور التونسي.

كذلك الحال في جنوب أفريقيا فقد قاطع حزب أنكاتا في كثير المرات جلسات النقاشات الدستورية احتجاجًا على بعض المواقف من حزب المؤتمر الوطني الأفريقي. وهذا العرف لا تختص به منطقة عن أخرى، ولكنه أكثر حضورًا في الدول التي تشهد تحولاً نحو الديمقراطية، سواء في أوروبا الشرقية أو آسيا أو أفريقيا وينسحب ذلك على المجالس النيابية والهيئات الدستورية.

ففي ديسمبر 2014 قاطع الحزب الديمقراطي في ألبانيا جلسات البرلمان والتي استمرت إلى حوالي 6 أشهر ولم يعودوا إلا بعد الوساطات التي قام بها البرلمان الأوروبي ومشاركة اعضاء من البرلمان التشيكي والبرلمان الألماني في عملية الوساطة. وقد تضمن الاتفاق على ألا تتجاوز الأغلبية الأقلية في اتخاذ القرارات، وأن التشريعات المهمة يجب ألا تمرر فقط بالأغلبية البسيطة بل يجب أن يكون للمعارضة دور فيها. وقضى الاتفاق على أن الطرفين الأغلبية والأقلية يعملان سويًا للوصول إلى توافقات في المسائل المهمة، ويشتركان في مراجعة اللوائح الخاصة برفع كفاءة لجان البرلمان وفقًا لأحسن المعايير الدولية في هذا الشأن.

وفي العراق فإن القائمة العراقية التي يتزعمها الرئيس العراقي السابق إياد علاوي قد قاطعت جلسات البرلمان، ولم تعد إلا في نوفمبر 2014 إثر التوصل إلى اتفاق بين الكتل السياسية، ومن ضمنها إلغاء القرارات المتعلقة باجتثاث عدد من قيادي القائمة العراقية. وقد عبر عضو القائمة العراقية عدنان الجنابي بقوله «إن الانسحاب من جلسات البرلمان هو نوع من الممارسة الديمقراطية المشروعة، وقد مورست في كل البرلمانات السابقة ولا يحق لأحد حرمان الآخرين من هذا الأسلوب الديمقراطي».

وفي مقدونيا سنة 2013 حصل خلاف بين الحكومة والتي تتمتع بالأغلبية في البرلمان والمعارضة بخصوص الميزانية؛ مما دفع حزب مقدونيا الاشتراكي إلى مقاطعة جلسات البرلمان لمدة شهرين، ولم يعد إلا بعد توسط رئيس المفوضية الأوروبية والمقرر الخاص بمقدونيا في الاتحاد الأوروبي.

أما في الهند وهي التي تعد من أعرق الديمقراطيات في العالم الثالث فلعل أقرب نموذج للمقاطعة كان مقاطعة حزب المؤتمر أثناء انعقاد جلسات البرلمان الهندي في دورته التي بدأت في صيف 2015؛ وذلك مطالبة باستقالة وزيرة الخارجية الهندية آنذاك لتوسطها في الحصول على التأشيرة الإنجليزية لمؤسس فريق الرقبي الهندي والمتهم في قضية تلاعب في نتائج إحدى المباريات. ولم تحل القضية إلا بعد تفاهمات بين الأغلبية الحاكمة وحزب المؤتمر، عاد بعدها حزب المؤتمر إلى حضور الجلسات.

الأمثلة كثيرة جدًّا ولا تحصى سواء في البلاد العربية من الكويت إلى مصر إلى الجزائر إلى المغرب، وفي كثير من دول العالم حيث شملت هذه المقاطعات المؤسسات السياسية سواء البرلمانية منها، أو تلك المعنية بإصدار الدستور.

لعل المقاربة الأكثر لوضعنا بالنسبة للهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور هي تجربة نيبال؛ حيث هناك تشابه بين الإعلان الدستوري لدينا والدستور الموقت في نيبال. فقد نص الدستور الموقت في نيبال في الباب السابع.

مقاطعة جلسات الهيئات السياسية سواء النيابية أو الدستورية لتعطيل النصاب من الأعراف الديمقراطية

المادة (63)
1. تشكل هيئة لصياغة دستور جديد مصدره الشعب النيبالي.
2. تجرى انتخابات الهيئة الدستورية في الموعد الذي تحدده الحكومة عند تطبيق هذا الدستور الموقت.
3. انتخاب أعضاء هيئة الدستور يكون بالانتخاب السري الحر حسب القانون.

المادة (64)
ما لم تحل الهيئة بقرار منها فإن مدتها سنتان اعتبارًا من أول اجتماع لها. ويمكن تمديد المدة فترة 6 أشهر بقرار من هيئة الدستور في حالة عدم استكمال صياغة الدستور في الموعد بسبب إعلان حالة الطوارئ.
كما نص الدستور الموقت بنيبال في المادة (70):
1. تؤخذ قرارات هيئة الدستور بخصوص الديباجة والمواد الدستورية بالتصويت.
2. لإجراء عملية التصويت فيجب أن يكون حاضرًا الجلسة على الأقل ثلثي أعضاء هيئة الدستور ويجب إقرار المشروع المعروض بالإجماع.
3. إذا لم يتحقق الإجماع في الفقرة (2) بخصوص الديباجة أو مواد الدستور فإن ممثلي الأحزاب في هيئة الدستور يجب أن يعقدوا اجتماعات تشاورية من أجل الوصول إلى توافقات في تلك المسائل.
4. المشاورات المتعلقة بالفقرة (3) يجب أن تتم خلال مدة أقصاها 15 يومًا من تاريخ إجراء التصويت وعدم الحصول على الإجماع.
5. إذا ما تمت الاجتماعات التشاورية وفقًا للفقرة (4) يجرى تصويت جديد سواء على الديباجة أو المواد الدستورية وذلك خلال 7 أيام من انتهاء المشاورات.
6. إذا لم يتم التوصل إلى قرار بالإجماع كما هو موضح في الفقرة (2) حتى بعد إجراء المشاورات وفقًا للفقرة (5) فيجب إعادة التصويت مرة أخرى، فإذا كان الحضور بالجلسة بحد أدنى ثلثي أعضاء الهيئة الدستورية، وأن المشروع قد تحصل على الأقل ثلثي الأصوات من أعضاء الهيئة التأسيسية فيعتمد التصويت ويقر المشروع.

لقد شهدت أعمال هيئة الدستور النيبالية كثيرًا من المشاكل المعقدة نتيجة الصراع السياسي المحتدم بين الماويين الذين كانوا يمثلون الأغلبية، ولكن لم يصلوا للثلثين اللازم لإقرار الدستور على الأقل، وبين الأحزاب الأخرى المعارضة. وقد أدت هذه الخلافات إلى تجاوز المدة المحددة في الدستور الموقت ومددت الهيئة لنفسها عدة مرات كل مرة 6 أشهر. وفي 25 نوفمبر 2011 حكمت المحكمة الدستورية بتحديد تاريخ 27 مايو 2012 كموعد نهائي لإعلان الدستور أو إجراء انتخابات جديدة للهيئة الدستورية. لم تستطع هيئة الدستور الوصول إلى توافقات حول بعض القضايا وكان الخلاف بشكل رئيسي حول 4 قضايا هي النظام القضائي والفيدرالية وشكل الدولة وموضوع انتخاب الرئيس! وبذلك في الموعد المحدد وهو 27 مايو 2012 حلت هيئة الدستور بعد مضي أربع سنوات على عملها!

أجريت انتخابات جديدة للهيئة الدستورية في 19 نوفمبر وتخلل أعمال الهيئة التأسيسية الجديدة الكثير من الصراعات والمقاطعات لأعمالها من قبل المعارضة؛ حتى تمكنوا أخيرًا من الوصول إلى توافقات بعد محاورات كثيرة وتوسطات ثم إعلان الدستور الجديد لنيبال في 20 سبتمبر 2015.

ما نخلص إليه أن هناك الكثير من المشتركات بين الهيئة التأسيسية في ليبيا والهيئة التأسيسية في نيبال فكلتاهما جاءت عن طريق الانتخاب السري الحر وكلتاهما حدد له الدستور الموقت والإعلان الدستوري في ليبيا آلية التصويت على المسائل الدستورية والمدة الزمنية وكلتاهما تجاوز المدة الأساسية المتوقعة لإنجاز الدستور. أعتقد أن هذه المقارنة والمقاربة تعطينا تجربة مفيدة حول تعقيدات العملية الدستورية في دول تشهد صراعات حادة وتخوض تجربة التحول نحو الديمقراطية.

وكما أشرت إلى أهمية الوساطات التي تدخلت في كثير من الأزمات وعلى الخصوص التجربة التونسية ودور مؤسسات المجتمع المدني ممثلة في الاتحاد التونسي للشغل، والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والهيئة الوطنية للمحامين والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والتي رعت الحوار السياسي الوطني بين مختلف الأطراف السياسية، فقد ساعدت هذه الوساطات في الوصول إلى توافقات جنبت تونس الدخول في أتون الحرب الأهلية.

لقد أكد الأعضاء المقاطعون لأعمال الهيئة التأسيسية استعدادهم لحل المسائل الخلافية بمشاركة النخب الوطنية الليبية بغية الوصول إلى توافق واتفاق حولها. وقد أكدنا في بياناتنا أن الشأن الدستوري هو شأن ليبي صرف والاختلافات الموجودة في الرؤى الدستورية لدولة ليبيا يجب حلها عن طريق مشاركة النخب الوطنية من خبراء وأعيان ومؤسسات علمية وبحثية. الأعضاء المقاطعون ليس كما يحاول البعض تصويرهم بأنهم متغيبون، فهم في واقع الحال يمثلون الشريحة الفاعلة في الهيئة والتي لها إسهاماتها الكبيرة في إنجاز المقترحات الدستورية والتي أغلبها تتضمنها هذه المسودة.

للأسف الطريق المتبع الآن من قبل رئاسة الهيئة وبعض أعضائها ومحاولاتهم المستميتة لتمرير مسودة معيبة، لن يؤدي إلى إنجاز العملية الدستورية ولا يمكن بأي حال من الأحوال إقصاء كل هذا العدد من الأعضاء المقاطعين، والذين حقيقة يمثلون أكثر من 50 % من السكان. إن القول بأن مسودة لجنة العمل المطروحة الآن هي توافقية، قول بعيد جدًّا عن الواقع وتكرار ذلك القول لن يغير من هذه الحقيقة شيئًا.