Atwasat

دعشنة موروثة

صالح الحاراتي الإثنين 28 مارس 2016, 11:24 صباحا
صالح الحاراتي

يبدو لي وبكل أمانة أن داعش كأيديولوجية دينية فاشية تقترب كثيرا من «فهم الدين» لدى شعوبنا ونحن الليبيين لسنا استثناء؛ ولذلك لا أستغرب وجود عدد كبير منا ممن ذهب إلى أفغانستان في زمن مضى وإلى العراق وسوريا بعد ذلك، ولا أستغرب ممن يقولون إن كل المناطق في ليبيا اليوم بها دواعش!!!

درنة، بنغازي، إجدابيا، سرت، مصراتة، زليطن، الخمس، طرابلس، الزاوية، صبراتة، نالوت.. وفي الجنوب كذلك.. إلخ.. بل أعجبني تعبير لصديق يقول إذا لم تجد داعشيًا فعلى الأقل ومن المؤكد أنك ستجد (داعشي لايت)!!
وأظن أنه لا مجال للدهشة إذا قلنا بأن داعش بكل قباحتها ووحشيتها لا تشكل إلا انعكاسا لثقافة موروثة متغلغلة...!!

وإن فكر داعش «مننا وعلينا»!!!!

وإن أضعف الإيمان يدفعنا إلى مكاشفة أنفسنا والإقرار بأن هناك «عرقا» مفاهيميا يربط بيننا وبين داعش.

وإذا أردنا التخلص من الإرهاب والعنف والتطرف الذي يعم البلاد.. فإن أهم خطوة للعلاج هي الاعتراف بوجود المرض..

نعم هناك من يرد أمر العنف والتطرف إلى عوامل وأزمات اجتماعية واقتصادية وانسداد الأفق السياسي مما أنتج أجيالا محبَطة، فقدت الثقة بمصادر التوجيه الرسمي والثقافي والديني، كما عجزت عن إبصار مسارات التغيير المدنيّة المشكوك في جدواها.

ولكن حتى لو سلمنا بكل ذلك وسلمنا بما ذهب إليه البعض «بالمؤامرة» وأن داعش تنظيم أوجده الغرب ودسه بيننا، حتى لو سلمنا بذلك، فإن الإنصاف يستدعي أن نعترف بأن من زرع داعش يبدو أنه صممها وفق الثقافة الموروثة السائدة والمتغلغلة كمفاهيم داخل العقل المدعي للإسلام!!

كل ما يقوله الدواعش ويفعلونه له مرجعية فى كتب التراث والفقه وأراه رأيا صحيحا.

وحتى لو قبلنا رأي من يقول إنها امتداد لفكر إقصائي لحركات مارست التقية وتعامينا عنها وتركناها تتطور وتنتشر، فإن نموها وتطورها كان بفعل ما يكتنز به موروثنا من فكر منحرف أدى إلى استنساخ نماذج متطرفة بشكل متوال عبر الزمن يمكن أن نصفها بعملية «تفريخ التطرف»، ويجب ألا تخفي علينا كل تلك الأسباب حقيقة أن هناك خللاً في منظومتنا الثقافية الدينية تجعل مجتمعنا به «قابلية للدعشنة»!

نعم هناك (قابلية للدعشنة) في عقولنا ونفوسنا والشيء الكثير من فهمنا للدين، وإلا لما ذهب بنا الحال إلى الحروب والعدوان والقتل وسفك الدماء بدم بارد تحت اسم الله مكبرين مهللين.. وندعي الكفر للآخرين.. وننام هانئين بأن الجنة مثوى لنا وحور العين جائزتنا!! وكل طرف يمارس القتل ظنا أنه على صواب وإن مات يراوده حلم الشهادة والحور العين.. وكل طرف يردد الله أكبر و«قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار».

«الدعشنة» فكر، وداعش يا سادة نمط حياة وثقافة موروثة..!

لست أنا من يقول ذلك؛ فهذا أمر بات الكثير يتحدث عنه وهو أن كل ما يقوله الدواعش ويفعلونه له مرجعية في كتب التراث والفقه.. وأراه رأيًا صحيحًا. علينا أن نقرأ التاريخ الإسلامي كما هو وبكل شجاعة ونحاول إنجاز عملية مراجعة (برسترويكا).. ومراجعة للفهم والمعنى الذي توارثناه ظنا منا أنه الدين!!! حتى نتخلص من الركام المعرفي المتشبع بالعنف والكراهية والاستعلاء.

نظرة عابرة لفتوى «التترس» لابن تيمية، والتي تنص على أن ما يسمونه بـ«المجاهد» الذي ينوي استهداف من يصفونهم بـ«الكفّار»، ووجد في طريقه أو بينهم المسلمين، فإنه يجوز له قتل هؤلاء المسلمين من أجل الوصول إلى هدفه. وقد استند داعش ومن قبله تنظيم القاعدة على هذه الفتوى في تبرير قتل أعداد هائلة من البشر من خلال تفجير السيّارات المفخّخة والعبوات الناسفة وما يسمونه بالعمليات الانغماسية.
وأظن ليس خافيا علينا مفردات..

(جئناكم بالذبح، والخليفة المتغلب، وقتل المرتد، وقتل تارك الصلاة، وأمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله).. إلخ.

علينا اليوم أن نكاشف أنفسنا ونعترف ونعيد قراءة وتأويل ما وصلنا حتى نتجاوز كل موروث الماضي المبني على تكفير الآخر وإهدار كرامة الإنسان....... وما دمنا ننشئ أبناءنا على إقصاء الآخر، وحقنا الحصري في الجنة، وأن الآخر له النار، فستستمر داعش فينا بالانتشار والتمدد..!!

علينا أن ننظر إلى أنفسنا كما نحن. ونبدأ بحساب أنفسنا قبل الكيل على الآخر الذي نلاحقه باتهامات نلقيها عليه تحت ذريعة المؤامرة لتبرئة أنفسنا.

ما يجري بيننا وفينا معيب، ومخز لشعوب يقوم أبناؤها بتلويث الخالق والخلق بدلا من حمل الإنسانية إلى النور.

وإذا لم نفعل ولم نتخلص من تراث اﻻنتقام والتشفي والكراهية وادعاء «أستاذية العالم» والحق الحصري للخيرية، فلن نخرج من مستنقع العنف، ولن نتخلص من داعش!

إننا أمام لحظة تاريخية تستدعي ضرورة أن نقف على مداخل التاريخ الحقيقي ونخرج من سراب تاريخ وهمي مليء باﻻستعلاء والتفرد والخيرية.

يقول المفكر إبراهيم البليهي: (لا تختلف كل الشعوب المتخلفة في ادعاءات الأمجاد وهي أبرز خصائص الطفولة الحضارية.. والمؤكد أنه ما من أمة في هذا العصر قد ازدهرت إلا وكان سبيلها إلى الازدهار مراجعة تاريخها والاعتراف بما فيه من نقائص وأخطاء والعمل على بناء الحاضر بجهد الأحياء وليس الاكتفاء بما بناه الأموات. أما تاريخنا فما زال يقدم للأجيال خاليا من النقائص مع أنه مشحون بأحداث كبرى مروعة وكل جيل يقدمه لأبنائه وكأنه تاريخ ملائكي ناصع البياض فهو كله يقدم وكأنه الاجتهاد الصادق والصلاح الناصع والطهارة الكاملة والإخلاص التام والتجرد من الهوى والرغبة القصوى في الحق. وهذا الأسلوب التبريري لكل الأخطاء بما في ذلك الأخطاء الكبرى المروعة قد ربى الأجيال على انفصال الأقوال عن الأفعال فإذا طاب القول فلتأت الأفعال كيفما شاء الفاعلون ومتى شاع مثل هذا المنهج التبريري فلا أمل في أي إصلاح).

لقد حان الوقت أن نكون بشرا نفكر ونحلم ونربي أنفسنا على الخير الحقيقي الحق المبني على احترام الإنسان أولا وأخيرا. نحن بحاجة إلى تغيير حقيقي.. تغيير في المفاهيم والأفكار حتى يحترم الإنسان وتقدس حياته... نحن بحاجة لثورة على أنفسنا وثورة على التراث الذي ورثناه بفهوم خاطئة.. ثورة تغير النفوس المريضة البربرية التي لا تعرف إلا اﻻنتقام والقتل والتنكيل بالبشر، وإذا لم نفعل ولم نتخلص من تراث اﻻنتقام والتشفي والكراهية وادعاء «أستاذية العالم» والحق الحصري للخيرية، فلن نخرج من مستنقع العنف، ولن نتخلص من داعش!