Atwasat

طلينة الجيش بالقبائلية!

نورالدين خليفة النمر الأحد 19 نوفمبر 2017, 12:08 مساء
نورالدين خليفة النمر

تعود الكولونيالية المطلينة بشكل ما من باب الانتروبولوجيا والسوسيولوجيا لبلورة موقف سياسي إيطالي مُجدّد من المعطيات الانقسامية الليبية السياسية والمؤسسية، فعن بوابة الوسط 16 نوفمبر 2017 ينظم المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية «ISPI»، بمدينة ميلانو21 الشهر الجاري ندوة عن ليبيا تحت عنوان "الاتفاقات الجديدة مع ليبيا“ ودون تحديد!. وعن بوّابة الوسط أيضاً 3 نوفمبر 2017 لقاء بعد أسبوع من تاريخه يتم في ميلانو بحضور وزير الداخلية الإيطالي، حول علاقة الجيش بالقبائل في ليبيا ووجود حكومة مستقرة فيها، ودور إيطاليا وأوروبا في بناء الدولة الليبية. منظمة" Reset Doc "هي الجهة المبرمجة للنقاش بمساهمة رئيسة كتلة الحزب الديمقراطي في لجنة العلاقات الخارجية ومدير برنامج شمال أفريقيا بمعهد الدراسات السياسية الدولية وكاتب مختص عن مجلة «ليمس» الجيوسياسية. ما أثارني، متضمن اللقاء المُركز عليه في التقرير الصحفي وهو علاقة الجيش بالقبائل، وتأثير العلاقات العائلية والعشائرية والجيش في ليبيا: الإقليم الممتد على مساحة جغرافية وُصفت في الخبر بتميزها بمسافات صحراوية شاسعة، وبتوزيع غير متماثل للموارد، وانقسامات قبلية، حيث لا يزال المشهد السياسي الليبي غير مطمئن.

شُرع فِي تأسيس الجيش الليبي الذي صدر قرار بتشكيله بعد سنتين من استقلال ليبيا الحديثة فِي 9 أغسطس 1952، كمؤسسة دفاعية مهنية، لم تخضع للمؤثرات المجتمعية التي ألمت بتأسيس سابقه الجيش السنوسي في 9 أغسطس 1940 وأحالته إلى قوة دفاع برقة القبلية لحماية القصر. الصورة التنظيمية التي خبرناها في صبانا، ومجريات الدفوع المهنية لضباطه عن مؤسستهم إزاء مطاعن محكمة الشعب الثورية أكتوبر 1971 أتبتث معايير الكفاءة، والتنظيمية والوطنية التي سادت أنساق الجيش الليبي، وهي الظاهرة التي تؤكدها الصور التي خرجت من الأضابير والأراشيف العامة والخاصة والمتداولة اليوم في صفحات التواصل الاجتماعي الليبية.

ظل الجيش الليبي بمنأى عن الانقلابيات التي ألمت بالجيوش العربية في الحقبة الخمسينية السياسية القلقة من القرن العشرين، والتي كانت تحرّكها التوجّهات القومية والأيديولوجية، ورغم تأهيل دفعتين منه عامى 1955-1956 في الكلية الحربيه بعد الانقلاب على الملكية فى مصر عام 1952 وأربع من دفعاته في الكلية العسكريه فى بغداد الانقلابات في أعوام 1957-1958-1959-1960، إلا أن التوجّهات السياسية والقومية لضباط الجيش الليبي من الرُتب المنخفضة لم تبن عن نفسها، إلا في تحرّكها العفوي المؤيد لانتفاضة الطلبة الليبيين ضد القبائلية التي أسقطت حكومة فكيني في أحداث يناير عام 1964، أو محاولات فردية من ضباط التحقوا بالجيش المصري المهزوم إزاء إسرائيل عام 1967. أما القبائلية فلم تجد لها منفذاً في الجيش الليبي عدا محاولة وحيدة عُرفت باسم (حركة الأطيوش) والتي تمّ اكتشافها فِي أواخر سنة 1961 وقد التصقت باللواء السنوسي الأطيوش معللة نزوعها إلى التمرّد بسبب إعفائه مِن رئاسة الأركان في نوفمبر1961، ولكن لم تكن للسنوسي الأطيوش الذي ينتمي إلى مشيخة قبيلة المغاربة أيّ علاقة أو دور بالمحاولة المذكورة. ومايؤكد ذلك تعيينه سنة 1964وزيراً للمواصلات، واستمراره في منصبه في حكومتين حتى استقالته عام 1967. ليترشح لعضويّة مجلس النَّواب الذي حلّه انقلاب ضباط الجيش الصغار سبتمبر 1969 فعُطل الدستور ثمّ ألغي تماماً بإصدار المجلس العسكري لإعلان دستوري انقلابي ظل نافذاً حتى إعلان ماسمّي عام 1977 بقيام سلطة الشعب.

بعد محاولة الانقلاب التي قادها عضؤا ماسميّ بمجلس قيادة الثورة عام 1975 دأب رأس النظام الدكتاتوري فيما أبانه مقال عمر الككلي http://alwasat.ly/ar/news/kottab/157994/ لإضعاف مؤسسة الجيش بالتوازي مع التقتير التدريجي على الجيش من مُعدّات وتأهيل. بإنشا "جيشه الخاص" أو ماعُرف بالكتائب الأمنية القمعية التي تمتعت بإمكانيات تسليحية مُكلفة. وهي لا تندرج ضمن هيكلية المؤسسة العسكرية التقليدية، التي أُضعفت بنيويا بتدريب أفواجٍ من طلبة المدارس والجامعات عامي 1973 و1977، وماتبعهم من دفعات الموظفين والمجندين، وترقية ضباط الصف ومنهم عدد كبير ممن اشتركوا في انقلاب 1969 إلى رتب ضباط دون تأهيلهم في الكلية العسكرية، وإغراء الشباب الريفيين وتخريجهم ضباطا في دفعات لم يتجاوز تأهيلها مدة ستة أشهر، ثم استغلال معارك تشاد الأولى عام 1980 لترقيات استثنائية لكل الضباط أضرّت بكفاءتهم في اختصار مدة رتبة النقيب المفصلية في بنية الجيش من عشر سنوات إلى مدد خُفّضت للبعض إلى ثلاثة سنوات، وغيرها من الضربات التي آذنت بتهيمش المؤسسة العسكرية بشكل شبه كُلّي بعد فشل الجيش في الحرب الثانية مع تشاد التي أُجبر على خوضها في منتصف ثمانينيات القرن الماضي إلى جانب إضعافات أخرى تمثلث في اختراقه باللجان الثورية ونظرية الشعب المسلح. ووفقاً لهذه الانقسامات انشطر الجيش ولم يعد موجوداً بالفعل كقوة عملياتية واحدة في العام 2011، حيث تحمّلت الميليشيات الثورية والقبلية الملفّقة والمتطوّعة وقوات حماية النظام، وخاصة "الكتائب الأمنية" التابعة للقذافي، العبء الأكبر من القتال.

منذ إطاحة القذافي، عرقلت الديناميات الأيديولوجية الأسلاموية، والكانتونات الجهوية ومؤسسة قيادة جيش مصطنعة تتخفّى وراءها قبائلية موهومة التوجهات التي لوّح بها المجلس الانتقالي ومجلسه التنفيذي لإعادة تأسيس جيش وطني. وبدلاً من ذلك، صار يتم توزيع السلطة القسرية مرة أخرى بين الهياكل العسكرية والأمنية الموازية القائمة على ائتلافات الميليشيات الثورية المختلفة من جانب، والوحدات المتبقية من الجيش النظامي التي تعتبر على نطاق واسع ملجأً للموالين للنظام القديم. ولا تزال هشاشة الدولة الليبية تنعكس في مسمّى الجيش الليبي، والعكس بالعكس، وهو ما ينبئ عن نتيجة تتضمن شكلاً جديداً من القوات المسلحة الهجينة داخل دولة هجينة على حد سواء، حيث يؤول مركز السلطة في إطار العلاقة المدنية-العسكرية من المستوى الوطني إلى المستوى الأيديولوجي الإسلاموي والجهوي والعسكرترياري المُتوسل به القبائلي.

إن تسبيق المكوّن الإيديولوجي الإسلاموي الذي تم تمريره في ليبيا عام 2011 بوسائل العنف والإرهاب عبر من تمّ تأهيلهم في بؤر الجهاديات من أفغانستان إلى العراق، والجهوي المتمثل في كانتون مصراتة عبر الشرعيات المسلحة للأمر الواقع، على المكوّنات الأخرى الموهومة التي تتوّسل بها القبائلية الغاربة، هو المطعن الذي ينبغي تسدّيده من قبل بحاثة ومختصين ليبيين ـ إن وجدوا ـ في المجتمعيات الليبية "يعرفون خرّوب بلادهم" إلى التوجهّات الإيطالية الرسمية التي وظّفت جهوداً اختصاصية ينبغي لها توّخي العلمية في بحوثها وستقصاءاتها حتى لاتساهم في غياب ليبي فادح رسم علاقة مكتفية على مكونين وهميين في ليبيا الراهنة هما الجيش والقبيلة وعقد تواشجات سوسيولوجية بينهما استندت على المعطيات المنقطعة لظروف إيطالية محضة عن التطوّرات المجتمعية في ليبيا من 1951 حتى 2017 والتي لازالت تتسمّد في بيئة الأنتربولوجيا الكولونيالية المُبكرة كما في التقارير التي قدّمها الولاة كـ: جيوفاني إميلو عن إقليم طرابلس 1915 ـ 1916 أو كتبها ضباط طليان في مكتب المستعمرات الإيطالية كالتصنيف السلالي ـ الأنثروبولوجي لسكان ليبيا لهنريكو أوغسطيني 1917 ، وإميليو كانيفاري المقدّم في سلاح الفرسان الذي كتب دراسة جغرافية وسياسية عن طرابلس الغرب عام 1924 أاعتمدت كمادة في الأكاديمية الحربية الإيطالية التي توّخت حسب ـ الكاتب في التاريخ الليبي مفتاح السيّد الشريف ـ (أ) فهم أحوال السكان، (ب) وصف التنظيمات الاجتماعية (ج) المؤثرات الموضوعية في التركيبة المجتمعية. واعتماد التحليل السوسيولوجي لتقديم حلول كفيلة بمعالجة المقاومة الشعبية التي واجهها المستعمرون الطليان بعد خمس سنوات من بداية الغزو.