Atwasat

لقاء مع مثقف عربي

فؤاد سيالة الخميس 14 سبتمبر 2017, 08:59 صباحا
فؤاد سيالة

التقيت بمثقف عربي من إحدى دول الخليج العربي في منتصف السبعينيات من عمره، حاصل على شهادة الدكتوراه من جامعة هافارد الأمريكية عام 1972، وشغل منصبا رفيعا في الصناعة النفطية في بلاده حتى عام 1979..

قال لي أنه قرر التفرغ في ذلك العام لدراسة وبحث ما أسماه "المسكوت عنه" في منطقة الخليج خاصة وفي بلاد العرب عامة.

أصبح باحثا زائرا في جامعة هارفارد، وزميلا مدى الحياة في جامعة أوكسفورد البريطانية، وأنشأ مع زملاء له منتدى لدراسات الخليج جعلوا مقره في الكويت، وتفرغوا لتحليل ودراسة مواضيع، منها: معضلة الديموغرافيا في دول الخليج، دور النفط التنموي في دول الخليج، وعلى استحياء، الحوكمة في دول الخليج.

قال لي أنهم نجحوا في عقد مؤتمرات عديدة، شارك في أعمالها مثقفون خليجيون، ونشروا بعض الدراسات الناتجة عنها في كتب متاحة للعموم، بلغ عددها حوالي مائتي دراسة.

أخبرني عن مؤتمر البترول العربي الذي كانت تنظمه منظمة الأقطار العربية المنتجة للنفط (أوابك)، وعن كيف أخبره د. علي عتيقة، رحمه الله، أن المنظمة تعرضت لضغوطات كبيرة من حكومات الدول لتغيير سياق المؤتمر وتحويله إلى مؤتمر الطاقة العربي.

أخبرني عن كيف كانت نظرة العرب إلى بترولهم على أنه أصل استراتيجي، وعن كيف قرّر العرب أن يحولوا نفطهم إلى مجرد سلعة اقتصادية.

ثم قال لي إنه وزملاءه قرروا في مرحلة لاحقة توسيع مجال نشاطهم، فكّون مع المفكر اللبناني العروبي الراحل رغيد الصلح شبكة تضم المثقفين من عدد من الدول العربية، من لبنان والجزائر وتونس وليبيا ومصر والكويت والمغرب وقطر والسعودية وموريتانيا وغيرها. قال لي أن الأعضاء كانوا من شتى ألوان الطيف الفكري.

الديمقراطية في الدول العربية
كان في أولوية اهتمامات هذه الشبكة مسألة الديمقراطية في الدول العربية.. ناقش الأعضاء هذه القضية، وبحثوا فيها، وكتبوا ونشروا عنها.. قال لي أنه كان هناك قناعة مشتركة لدى كل المثقفين الأعضاء بأن الحياة الديمقراطية في بلاد العرب هي حتمية تاريخية.. لكن كلا منهم كان له مفهوم خاص للديمقراطية يختلف عن مفاهيم الآخرين..

قال لي أن جهدهم استمر بعد ما أسماه الربيع العربي الذي اعتقدوا في أول الأمر أنه فاتحة خير على بني العرب.. لكنهم اضطروا إلى تجميد نشاطهم منذ العام 2013 بعد ما تبين لهم حجم الاقتتال الأهلي الذي خلفه ذلك الربيع..

قال لي أنهم الآن بصدد محاولة تجديد النشاط.. يعملون على إنشاء معهد لدراسات العالم العربي يرتبط بإحدى الجامعات اللبنانية.. قال لي أنهم قرروا الاستمرار في عملهم ليكونوا "نور شمعة في وسط الظلام"، على حد وصفه..

قلت للرجل:

يا سيدي الفاضل، أعرف أن جهود التنوير في منطقتنا لم تنقطع منذ القرن الثامن عشر..
وأعرف أن المثقفين التنويريين العرب كتبوا ويكتبون آلاف المقالات والدراسات في شتى مناحي الحياة..
وأعرف أن معهد الإنماء العربي، على سبيل المثال، بمركزه في طرابلس بليبيا وبفرعيه في بيروت وواشنطن، كان يعمل على ضم و"تشبيك" العلماء والمثقفين العرب، في الداخل وفي المهجر، من كل التخصصات: الاقتصادية والاجتماعية والعلمية التطبيقية..
وأعرف أن الكتب والدراسات التي نشرها معهد الإنماء العربي كانت بالمئات..
وأعرف أن مثقفين عربا مثل القصيبي والنيهوم وأركون والجابري تكلموا وكتبوا كثيرا في محاولة للتنوير..

أما فيما يتعلق بالبترول، فأعلم أن كل دولنا العربية التي تنتجه وتصدره تقول أنها تسعى إلى تنويع مصادر دخلها..
وفيما يتعلق بالسياسة، لا أعرف دولة عربية واحدة لا تشير دساتيرها أو نظمها الأساسية، بدرجة تعلو وتنخفض، إلى مشاركة شعبها في اتخاذ القرار.

أعرف كل ذلك، وتعرفه أنت يا سيدي الفاضل. أليس كذلك؟

قال: نعم هو ذاك.
قلت: لكنه كله هراء.

دولنا العربية تعيش ردة وانتكاسة إلى الوراء فيما يخص علاقة الحاكم بالمحكوم وعلاقة المقدس بالسياسة والحكم

ألا ترى أن دولنا العربية تعيش ردة وانتكاسة إلى الوراء فيما يخص علاقة الحاكم بالمحكوم وعلاقة المقدس بالسياسة والحكم؟.
ألا ترى أن الحديث عن تنويع مصادر الدخل لا يحتدم إلا عندما تنخفض أسعار النفط؟.
ألا ترى أن كتب أركون والجابري والأسواني تصادر ويباع بدلا منها كتب السحر والجن وعذاب القبر، وكأن ديننا هو للموت وليس للحياة؟.
هل رأيت أن كل كتب مكتبة معهد الإنماء العربي في طرابلس انتهى أمرها في صندوق القمامة في بداية الثمانينيات؟.
ألا ترى أن محمد عبده يكفر اليوم، وأن رفاعة الطهطاوي يزندق؟.

إذا كنت ترى ذلك يا سيدي الفاضل، فتفضل بالإجابة على السؤال الذي ما انفك يحيرني:
لماذا لم يؤثر كل جهدك، وكل جهد زملائك المثقفين، وكل جهد من سبقكم مثلكم؟. لماذا لم تنجحوا في إحداث وزن مقالة واحدة من مقالاتكم من التغيير على الأرض البلقع الجرداء التي اسمها ثقافة العرب المعاصرين؟.

إنني يا سيدي الفاضل أشكرك بلا مثنوية على كل جهدك الصادق الذي أرى أن باعثه لوعة حقيقية تعتلج في صدرك.

لكنني أرجوك يا سيدي الفاضل.. تفضلوا يإيجاد إجابة شافية على سؤالي هذا قبل أن تحاولوا إشعال الشمعة التي تكلمت عنها قبل قليل..

فمن المنطقي في نظري ألا تعيد الكرّة بنفس الأدوات..

وقف الرجل مسلِّما، بوعد منه على مراسلتي بالإيميل.

وأنا في الانتظار.