Atwasat

الأضاحي.. كساد في الأسواق والمستورد يسابق المحلي

سبها، بني وليد، الجبل الأخضر- رمضان كرنفودة، الصغير الحداد، يزيد الحبل، تصوير: فاتح محمد، رمضان كرنف الخميس 31 أغسطس 2017, 11:03 مساء
WTV_Frequency

ألقت الأزمة الاقتصادية التي تشهدها البلاد بظلالها على أسعار الأضاحي التي حالتْ دون اكتمال فرحة العيد لعدد من الأسر الليبية، بالتزامن مع اتساع أزمة السيولة التي تضرب عديد المناطق، ولاسيما مع وصول أسعار الأضحية إلى 1200 دينار في بعض المناطق مقارنة بـ800 دينار العام الماضي.

وكشفت جولات ميدانية لـ«الوسط» في عدد من الأسواق بمناطق ليبية مختلفة، ارتفاعًا كبيرًا في أسعار الأضاحي؛ لعدد من الأسباب من بينها قلة السيولة، فضلاً عن عمليات التهريب وارتفاع أسعار الأعلاف والأدوية واستخدام المولدات الكهربائية نتيجة الانقطاع المتكرر للشبكة، حيث شهدت أغلب المدن أسواقًا موسمية لأضاحي العيد وسط إقبال ضعيف نظير ارتفاع الأسعار بشكل كبير، وفق عديد المواطنين.

ويقاوم الليبيون الظروف الاقتصادية والسياسية والمخاوف الأمنية الصعبة والمعقدة، بمحاولات للحصول على الأضحية المستوردة التي تمثل بديلاً للمحلية التي تأثرت بأزمة خانقة في السيولة لدى المصارف الليبية.

المواطن محمود زيدان رأى أن القيمة المالية التي تطرحها المصارف غير كافية لسداد قيمة الأضحية.

سبها: استمرار المعاناة
في سبها لم تتغير معاناة المواطن عن العام الماضي بارتفاع الأسعار وقلة السيولة وتردي الحالة المعيشية، وهو ما كشفته طوابير المواطنين أمام المصارف والعزوف عن الأسواق في آن معًا.

المواطن محمود زيدان رأى أن القيمة المالية التي تطرحها المصارف غير كافية لسداد قيمة الأضحية والاحتياجات المعيشية، لافتًا في الوقت نفسه إلى أنّ أسعار الأضاحي تعتبر طبيعية نتيجة ارتفاع الأسعار في كل شيء لاسيما الأعلاف، مشيرًا إلى أنّ ضرورة أن يعد مصرف ليبيا المركزي خطة استثنائية لعيد الأضحى يصرف خلالها 1500 دينار كحد سحب لكل مواطن.

ورغم أن سعر الأضحية وصل إلى 1200 دينار بحسب المواطنة فوزية محمد التي قالت إنها عجزت عن شراء الأضحية نقدًا ذلك أنّ راتبها يبلغ 430 دينارًا، لكنّ المواطن محمد صالح قال إنه اشترى الأضحية بقيمة 650 دينارًا، من أجل توفير لوازم العيد من مشروبات وخضار.

واعتبر المواطن علي الطاهر أن ارتفاع أسعار الأضاحي بشكل مبالغ فيه إلى 1200دينار، رغم وجود بعض المستورد بقيمة 650 دينارًا، مقارنة بصرف 500 دينار فقط لكل مواطن في ظل ظروف معيشية صعبة.

في مشهد يبرز حجم المعاناة يتراص مواطنون في طوابير أمام المصارف لساعات طويلة من أجل سحب إما 500 دينار أو ألف دينار حسب إدارة المصرف، فيما لخصت سيدة عجوز تفترش الأرض تحت أشعة الشمس الملتهبة مدى تفاقم الأزمة، عندما قالت «أريد الحصول على مرتب تضامني ولا أحد يتجمل أو يتصدق علينا، ولا أعلم من هو المسؤول في الدولة من أجل أن أشتري أضحية».

جولة ميدانية لـ«الوسط» في عدد من الأسواق شملت سوق الأغنام بمدينة سبها كشفت ارتفاعًا كبيرًا في أسعار الأضاحي؛ بسبب قلة السيولة في المصارف وأسباب اقتصادية أخرى، إذ تنوعت آراء المشاركين في الاستطلاع لمربين ومواطنين وبائعي أعلاف الحيوانات، بين أسباب ارتفاع الأسعار وطقوس الليبيين في عيد الأضحى.

تاجر الأغنام صالح خميس في سوق الجديد أرجع السبب الرئيس لارتفاع أسعار الأضاحي إلى غلاء أسعار علف الحيوان.

تاجر الأغنام صالح خميس في سوق الجديد أرجع السبب الرئيس لارتفاع أسعار الأضاحي إلى غلاء أسعار علف الحيوان، إذ بلغت بالة علف الحيوان حجم 80 سم العام الجاري 12 دينارًا مقارنة 8 دنانير العام الماضي، وقنطار العلف المصنع إلى 80 دينارًا مقابل 70 دينارًا العام الماضي، فضلاً عن ارتفاع الأدوية الحيوانية التي كانت الدولة تمنحها مجانًا، وأصبحت غير متوفرة إلا في الصيدليات الخاصة، فيما يصل سعر الدواء إلى 125 دينارًا للعبوة.

وأضاف صالح أن العامل الثاني يتمثل في استعمال المربين المولدات الكهربائية في حال انقطاع التيار الكهربائي عن آبار المياه تزيد على 24 ساعة وطرح الأحمال لقرابة 6 ساعات يومية، لاسيما أن سعر المحرك يصل إلى عشرة آلاف دينار، فضلاً عن شراء الوقود من السوق السوداء.

أحميد الطاهر صاحب مزرعة أعلاف أرجع ارتفاع أسعار الأضاحي إلى أسعار البرسيم الذي يشكل الغداء الرئيس للأغنام وارتفاع أسعار البذور والأدوية والعمالة إلى جانب الاعتماد على مولدات كهربائية لاستخراج الماء لري المحصول بسبب تذبذب التيار الكهربائي والذي يتسبب في إتلاف مضخات المياة والتي أصبح سعرها مرتفعًا جدًا تصل إلى 6 آلاف دينار. موظف بمكتب الثروة الحيوانية بسبها، فضل عدم ذكر اسمه، قال إن آخر إحصائية للمواشي أعدها المكتب العام 2013 في مدينة سبها، أحصت عدد الضان بـ 38.6 ألف رأس والماعز 12.865 ألف رأس والإبل 10.360 ألف رأس، مبينًا أن آخر دفعة من الأدوية الحيوانية وصلت إلى المكتب كانت العام 2014 قبل توقف التوريد بسبب الانقسام السياسي الذي حدث في البلاد.

إقبال ضعيف في بني وليد
شهدت أسواق المواشي بمدينة بني وليد إقبالاً ضعيفًا مقارنة بالعام الماضي، بسبب ارتفاع الأسعار وانعدام السيولة المالية، حيث وصل سعر الأضحية في أسواق المواشي بالمدينة 1200 دينار.

من جانبه أرجع عبدالحق محمد «مربي مواشي» ارتفاع أسعار الأغنام خلال الفترة الأخيرة إلى عدم توافر الأعلاف في السوق وارتفاع أسعارها، بالإضافة إلى سعر اليد العاملة مما تسبب في ضعف الإقبال على الشراء مقارنة بالعام الماضي.

 أسواق المواشي ببني وليد تشهد إقبالاً ضعيفًا بسبب ارتفاع الأسعار وانعدام السيولة المالية، حيث وصل سعر الأضحية بالمدينة 1200 دينار.

من جانبه أكد المواطن عبدالله سعد «موظف بأحد القطاعات الخاصة»، أنه اعتاد على تقديم الأضحية سنويًا، لكنه توقف العامين الماضيين عن هذا الأمر بسبب ارتفاع الأسعار وتراجع قيمة الدخل وأن اقتناء أضحية يحمل كثير المشقة في ظل ارتفاع الأسعار. بعض تجار أغنام يؤكدون أن سبب ارتفاع أسعار الأغنام يعود إلى ارتفاع سعر الأعلاف والفرق الكبير في سعر صرف الدينار أمام الدولار، متوقعين استمرار ارتفاع الأسعار حيث يزداد الطلب قبل يوم العيد.. وأرجع المواطن عبدالحفيظ الفقهي ارتفاع أسعار الأضاحي هذا العام، إلى غياب التنظيم في أسواق الماشية، والذي يستغله التجار لرفع الأسعار واستغلال المواطنين دون أي رقابة من الجهات المسؤولة في الدولة.

ويلجأ كثير من تجار المواشي إلى التخلص مما لديهم بأسعار متوسطة ومنخفضة يوم العيد، حتى تباع بعض الأضاحي بنصف السعر الذي عرضت به قبل العيد، وهو الأمر الذي يعتبره المواطنون دليلاً على استغلال التجار قبل العيد.

معاناة في الجبل الأخضر
ورغم أن المناخ الاحتفالي لم يعد بتلك البهجة المعهودة في ليبيا، فإنه يبدو أن الليبيين لا يزالون يتمسكون بإحياء المناسبات الدينية حتى لو اضطروا إلى الاقتراض، هكذا بدت الأجواء في منطقة الجبل الأخضر شرق البلاد، التي يستقبل المواطنون فيها عيد الأضحى بأجواء معتمة وسط معاناة إنسانية مستمرة من حيث نقص السيولة وتردي الخدمات بالبلديات وارتفاع ملحوظ في أسعار الأضاحي، لكنّهم متمسكون بشراء الأضحية.

ساد مشهد الطوابير خلال نهاية الأسبوع الماضي والأسبوع الجاري أمام المصارف التجارية في مختلف البلدات بمنطقة الجبل الأخضر، وذلك ليتمكن المواطنون من سحب رواتبهم لشراء احتياجات وخروف العيد.

وقال مصرف ليبيا المركزي بالبيضاء إن السيولة المخصصة لفروع المصارف التجارية بالمنطقة التجارية بلغ نحو مئتي وأربعة وثمانين مليون دينار ليبي.

وتباين سقف السحب بمصارف الجبل الأخضر ما بين مرضي ورافض لدى المواطنين، حيث قال المواطن أحمد عز الدين إن سقف السحب بمصرفه 400 دينار ليبي وهو «مبلغ لا يكفي لشراء حاجياته اليومية أو حتى خروف العيد».

بينما أفاد عبدالله خالد لـ«الوسط» إنه مصرفه وهو شمال أفريقيا صرف 800 دينار ليبي لهم، وهو «يعد جيدًا مقارنة ببقية المصارف، أما عن الخروف العيد سأشتريه بالصك لأنه النقد سأستفيد به لشراء الدواء وبعض الاحتياجات التي لا يمكنني أخذها بالصكوك».

ساد مشهد الطوابير أمام المصارف في مختلف البلدات بالجبل الأخضر ليتمكن المواطنون من سحب رواتبهم لشراء احتياجات وخروف العيد.

وأوضح أن التجار «يستغلون غياب السيولة لرفع سقف الأضاحي بالصكوك واستغلال الناس»، متسائلاً: «ما الفرق بين سعر الأضحية نقدًا وصكًا؟».

في المقابل وجه مصرف ليبيا المركزي بمدينة البيضاء المصارف التجارية كافة بفتح أبوابها أمام المواطنين يوم الخميس المقبل الذي يوافق يوم عرفة.

وأشار إلى أن يوم الخميس يعوض للموظفين بعطلة الاثنين والثلاثاء بعد عيد الأضحى المبارك، مؤكدًا أن الدوام الرسمي للعمل بالمصارف يستأنف اعتبارًا من الأربعاء. وطالب المصرف العاملين كافة بالتقيد بهذه التعليمات، والتعاون مع المواطنين كافة من «أجل تخفيف معاناتهم وتسهيل إجراءاتهم».

من جانبها وجهت مكاتب الأوقاف بمختلف البلديات إلى إقامة محاضرات خلال الفترات المسائية للحديث حول الأضحية وأحكامها بين الواجبة والسنة، حيث «قال الإمام المالك والشافعي إنها من السنن المؤكدة، فيما قال أبوحنيفة إنها واجبة على المقيمين في الأمصار والموسرين».

وبحسب المنشورات فإنها تتحدث عن مواصفات الأضحية وضرورة أن تكون خالية من العيوب المانعة للأضحية، مثل العرج والعور والمرض والعجفاء، إلى جانب أن كسر القرن والأسنان وقطع الأذن جائزة مع الإكراه، لافتة إلى أن ثمّة عيوبًا لا تؤثر على الأضحية الخالية من الأذن أو صغير كما يسمى محليًا بـ«العكروت».

وفي شحات قال تكفل المجلس البلدي بشراء أضاحي العيد لكل أسر الشهداء في نطاق البلدية. وأوضح وكيل البلدية عزالدين الشريف، في تصريح لـ«الوسط» أن موعد توزيع الأضاحي سيكون يوم الأربعاء الموافق الثامن من ذي الحجة، وذلك بساحة الاعتصام. وأشار الشريف إلى أن اللجنة المكلفة بالخصوص ستباشر في تعميم الموعد، حتى يتسنى لكل الأسر استلام أضحيتها قبيل حلول عيد الأضحى المبارك.

ورصدت «الوسط» خلال جولتها أسعار الأضحية التي تراوحت ما بين 800 إلى 1000 دينار نقدًا، بينما تجاوز سعر الأضحية خلال هذا العام 1300 دينارًا صكًا.

وقال أحد التجار يدعى موسى عبدالعاطي لـ«الوسط» إن ارتفاع سعر العلفة وعدم وجود عمالة ترعى السعي أدى إلى ارتفاع أسعار الأضاحي خلال هذا العام، مضيفًا أن رفع سقف السعر بالصكوك يأتي لعدم استفادة التاجر من المبالغ في حسابه لكنه يطلب الكاش أفضل.

منح مصرف ليبيا المركزي موافقات لنحو 54 شركة محلية لاستيراد 750 ألف رأس من الأغنام بقيمة 100 مليون دولار، للمساهمة في خفض أسعار أضحية العيد، فيما انتقد تجار قصر مدة الاستيراد.

وأضاف أحد المواطنين (رمزي رجب) أن الأضاحي تشهد ارتفاعًا غير مسبوق، ورغم قلة السيولة إلا أنني أرى من خلال متابعتي للأسواق طيلة الأيام الماضية أن هناك شراءً وإقبالاً من المواطنين.

ويشاركه التاجر موسى عبدالعالي أن المواطنين رغم المعاناة يشترون الأضاحي لأنهم يعتبرونها عادة واجبة، مشيرًا إلى أن الليبيين يفضلون الأضاحي الوطنية عن الخارجية وما جلبته الدولة يعد خسارة لأن الخارجي غير مقبول. وذكر أن الأضاحي الخارجية لم تنزل بعد في أسواق الجبل الأخضر، لافتًا إلى أنها لن تؤثر في سعر الأضاحي الوطنية.

54 شركة محلية تستورد 750 ألف رأس
من جهته منح مصرف ليبيا المركزي موافقات لنحو 54 شركة محلية لاستيراد 750 ألف رأس من الأغنام بقيمة 100 مليون دولار، للمساهمة في خفض أسعار أضحية العيد، فيما انتقد تجار قصر مدة الاستيراد.

واشترط المركزي، وفق بيان توريد الأضاحي قبل العشرين من أغسطس، أن تتولى وزارة الاقتصاد والصناعة التنسيق مع الموردين لوضع آلية مناسبة تضمن وصول الأضاحي وتوزيعها بأسعار مناسبة قبل حلول العيد.

يذكر في هذا الصدد أن الثروة الحيوانية في ليبيا (الخراف والماعز والأبقار والإبل) تعرضت لنوع من الإبادة بعد 2011 لعدة عوامل أبرزها الحرب التي رافقت سقوط النظام السابق، وفرار الرعاة ومعظمهم من الأجانب (السودان وتشاد) وانتشار السلاح والعصابات الإجرامية وعمليات النهب والسرقة.

وشهدت سوق صرف العملة مؤخرًا ارتفاعًا كبيرًا للدولار الأميركي في السوق السوداء، حيث تجاوز سقف 7 دينارات مقارنة مع سعره الرسمي الذي يتراوح بين 1.3 و 1.4 دينار.

المزيد من بوابة الوسط

تعليقات

عناوين ذات صلة
«اقتصاد بلس» تستطلع: كيف استقبل الشارع الليبي سحب فئة الـ50 دينارًا؟
«اقتصاد بلس» تستطلع: كيف استقبل الشارع الليبي سحب فئة الـ50 ...
تنسيق «ليبي - مصري» لتحديات مكافحة الفساد وتعزيز الحوكمة
تنسيق «ليبي - مصري» لتحديات مكافحة الفساد وتعزيز الحوكمة
عقود مجمدة منذ 2011.. هل تعيد مشاريع السكك الحديدية الشركات الروسية إلى ليبيا؟
عقود مجمدة منذ 2011.. هل تعيد مشاريع السكك الحديدية الشركات ...
تكالة يدعم جهود «أكاديمية الدراسات العليا» لتوطين البحث العلمي
تكالة يدعم جهود «أكاديمية الدراسات العليا» لتوطين البحث العلمي
أضر بالاقتصاد الوطني.. الحبس والغرامة لقائد تشكيل عصابي هرَّب محروقات
أضر بالاقتصاد الوطني.. الحبس والغرامة لقائد تشكيل عصابي هرَّب ...
المزيد
الاكثر تفضيلا في هذا القسم