Atwasat

واحة الجغبوب.. ولكم في الرمال حياة

الوسط: عبدالرحمن سلامة الثلاثاء 04 أكتوبر 2016, 02:03 مساء
WTV_Frequency

- الإهمال يغتال منطقة مليئة بالكنوز الطبيعية ومركز للسياحة العلاجية
- الشارف: المنطقة تحتاج إلى بنية تحتية وخدمات عديدة
- شعيب: أصحاب الخبرة هجروا المهنة بسبب تجاهل الدولة
- السنوسي: الكشف الطبي شرط قبول المريض

من أبرز ملامح واحة الجغبوب الواقعة في أحضان الصحراء جنوب شرق مدينة طبرق بحوالي 300 كيلومتر، أنها مفعمة بالحب وبالطيبة، فهي منطقة بكر تحتاج إلى جهود للغوص في تاريخها المعبق بأصالة الصحراء الليبية الغارقة في القدم. وهي جوهرة ثمينة تستوجب إزالة الغبار عنها حتى نرى جمال وأهمية هذه الواحة، والتي كانت قبلة ومنارة إسلامية يهتدي إليها طلاب العلم، كما أنها تمتاز بموقع جغرافي خاص يعطيها أهمية تاريخية وسياحية.

وإلى جانب أهميتها التاريخية، تبقى واحة الجغبواب واحدة من أبرز الأماكن في العالم التي تحظى برمال يمكن الاستفادة منها في مجال السياحة العلاجية والاستشفاء، إذ تنتشر في صحاريها أنواع مختلفة من الرمال التي تمتاز ‏بتراكيبها الكيميائية الفريدة ويلجأ إليها بعض المرضى بناء على نصائح الأطباء للقيام بتغطية أجسامهم بالرمال فيما يعرف بـالردم أو الدفن أو حمامات الرمال الساخنة.

وشاع عن مثل تلك الرمال أنها مفيدة ‏‏للخلاص من أمراض العظام أو الأمراض الروماتيزمية والصدفية، كما أنها تعمل على تجميل البشرة وخفض الوزن، لكن عملية الردم هذه ربما تثير مخاوف البعض، وسخونة الرمال تمنع البعض من إكمال مدة العلاج، لذا فإن هذا الأسلوب العلاجي يحتاج مرضى صبورين قادرين على تحمل فكرة البقاء تحت الرمال مدة ساعة كاملة للحصول على أكبر قدر من الفائدة.

وفي هذا التقرير نستعرض أبرز ملامح العلاج بالحمامات الرملية في واحة الجغبوب الليبية، حيث يتحدث خبراء في هذا المجال حول طرق العلاج وأهم النصائح التي يجب أن يعيها المريض الذي يخضع للعلاج بالرمل، وكذا مطالب العالمين في هذا المجال من أجل تحقيق أكبر استفادة من هذه المنطقة وما تتمتع به من كنوز طبيعية، وكذا رؤيتهم من أجل تطوير المنطقة وتعظيم عوائدها.

منطقة تفتقر للخدمات
يقول محمد الشارف رئيس جمعية أصدقاء النخيل: «الحديث عن واحة الجغبوب بقدر ما هو يدعو للفخر والاعتزاز، بقدر ما يدعو للحزن كون أن هذه الواحة وقع عليها ظلم صارخ من نظام القذافي الذي صب عليها جام غضبه، كونها منارة علمية إسلامية، لذلك كما ترونها فهي تفتقر إلى كل شئ سوى طيبة أهلها».

 ويتابع: «نأمل أن يكون هناك اهتمام بالسياحة الصحراوية في المنطقة والذي يتطلب إمكانات عديدة، ونظرا لانعدام البنية الأساسية التي يعتمد عليها  في مجال استقبال السواح عشاق الصحراء والسياحة الصحراوية الذين يفدون للسياحة بهذه الصحراء، من أماكن الإقامة ووسائل النقل الصحراوية والاتصالات والإعاشة، كل هذا يتطلب بنية سياحية من فنادق ومقاه وحدائق. كما نأمل أيضاً أن يقام متحف كبير يحوي الصناعات التقليدية والمقتنيات الشعبية والموروث الثقافي والوثائق والمخطوطات والإصدارات ومذكرات الرحالة والعينات والنباتات والصور السياحية والرسوم الصخرية والأصداف والنباتات المتحجر والعادات والتقاليد عند السكان والسلالات البشرية ومعلومات عن التبو والطوارق وسكان الصحراء والواحات إلى آخر الأشياء التي تجذب الباحث والسائح والدارس».

ويشير إلى لب القضية في وجهة نظره: «المنطقة غير مدروسة دراسة وافية، خاصة أن هناك بعض المواقع الأثرية المجهولة والتي هي عرضة لكثير من العوامل وهذا يتطلب تشكيل فريق بحث وحفريات من الجامعات الليبية وبعض الخبرات، لإجراء حفريات وبحث ومسح وعمل خريطة شاملة لهذه المواقع وإنجاز المتحف المقرر لهذه الغاية».

كنوز طبيعية
يعدد الشارف المناطق المستهدفة بالاهتمام منها: «عين بوزيد، الفريدغة، الملفا، قارة الشهيبات، إذ توجد مقابر ورسوم صخريه كثيرة لم يكشف النقاب عنها. كما نأمل استثمار المواقع السياحية كالبحيرات وبحر الرمال العظيم والغابات المتحجرة، نظرا لما تتمتع به المنطقة من خلجان بحريه جافه وأصداف بحريه متحجرة ومنخفضان، ونباتات متحجرة، وكائنات أخرى بحرية وبرية متحجرة منذ عصور قديمة  ستكون هذه  الأشياء وغيرها مثار اهتمام العلماء والبعثات العلمية لزيارتها وإجراء البحوث والدراسات حولها».

ويوضح: «كل هذا سيحقق دخل وينعش الاقتصاد العام للمنطقة، إذ تتمتع المنطقة بالعديد من مخلفات الاستعمار مثل الأسلاك الشائكة والقنابل والألغام  التي لازالت موجودة، والأهم من ذلك هو وجود معلومات أن إيطاليا أثناء تواجدها بالجغبوب سنة 1926- 1937 وبعد أن قررت الرحيل أمام القوات البريطانية دفنت كل معداتها ووثائقها وأسلحتها في المنطقة ولعل ما عثر عليه مؤخرا من حقيبة تحمل وثائق وصور وكتب لضابط إيطالي هو البداية. لذلك فان التنقيب عن هذه الأشياء وترجمتها من الأهمية وخاصة تلك الدراسة المشار إليها سالفا وهى دراسة عظيمة تحتاج إلى ترجمة للاستفادة منها في شتى العلوم كالمياه والجيولوجيا والزراعة والآثار والمناخ والنفط وغيرها».

مشروع الاستشفاء بالحمامات الرملية يحتاج إلى إمكانيات واهتمام بالبنية التحية للمنطقة، وبإقامة مشاريع سياحية وفنادق

وفيما يتعلق الحمامات الرملية في الجغبوب، ولماذا لا تزدهر مثلما ازدهرت ونشطت في واحة سيوة المصرية، يرد: «الجميع يعلم أن مشروع الاستشفاء بالحمامات الرملية يحتاج إلى إمكانيات واهتمام بالبنية التحية للمنطقة، وبإقامة مشاريع سياحية وفنادق ووسائل اتصالات ومواصلات، وكذلك إقامة مطار مدني يخدم المنطقة والمناطق المجاورة لها، ومن خلال اتصالاتنا بأشقائنا في واحة سيوة وزياراتنا لها نجد أن هناك اهتماماً واضحاً من الدولة وهذا المشروع هو من المشاريع الموسمية في شهور الصيف. فضلا عن ذلك، ينقصنا إعلام وطني يروج للسياحة في ليبيا وفي الواحات على وجه الخصوص حتى نسهم في جذب السائح ونرجو أن تكون لدينا قناة فضائية سياحية وستسهم وبشكل واضح في ازدهار السياحة وشكراً لكم».

شروط وقواعد
أما فتح الله الصادق السنوسي، الخبير في العلاج بالحمامات الرملية، فيقول: «لا يمكن قبول أي مريض إلا بعد إجراء كشف طبي يوضح حالته الصحية، لمعرفة مستوى الضغط وكذلك نبضات القلب وغيرها من الأمراض التي قد يتسبب الردم في مضاعفتها.

والردم يبدأ من يوليو وحتى سبتمبر، وهي العلية التي يوضع فيها المريض وهو عار تمام داخل حفرة، وقت الذروة ولمدة ربع ساعة وهناك من يحاول المكوث فترة أكثر من اللازم لأنه يشعر بالراحلة داخل الحفرة، بعد انقضاء هذه المدة بسبب العرق الذي يخرج من الجسد، لكن بعد حوالي ربع ساعة ينقل الشخص إلى داخل الخيمة المغلقة ذات اللون الأسود أو الداكن القريبة منه، ويدخل في الخيمة المغلقة بإحكام وفيها تخرج كميات كبيرة من العرق بسبب شدة الحرارة والضغط، وهناك من لا يستطيع المكوث فترة أطول فيخرج إلى البيت ويكون مستعداً للعودة في اليوم التالي، ويبقى في لبيت تحت درجة حرارة عالية».

ويوضح: «ناك من يتقيأ داخل الخيمة بسبب تناوله للطعام قبل الردم بقليل، ونحن دائماً نوصي بعدم تناول الطعام قبل الردم بساعتين على الأقل والجلسات تكون على الأقل ثلاث مرات، وهناك من يحتاج إلى خمس جلسات أو أكثر على، ونحن نوصي باللبس الثقيل وينقص الملابس تدريجيا، والمريض لا يستطيع الاستحما،م إلا بعد ثلاثة أيام».

 برنامج موسمي
فيما يقول محمد شعيب أحمد، أحد المعالجين بالردم: «منذ زمن وأنا أقوم بممارسة هذه المهنة المهمة وأيضاً الموسمية فقمة السعادة أن تسهم في شفاء إنسان من أمراضه بغض النظر عن المردود المادي، فالردم هو برنامج موسمي لا يتعدى الشهر الواحد، وقيمة العلاج بالرمل في اليوم 40 دينار شاملة الإقامة والأكل والشرب، وهناك من يأتي بشكل دوري كل سنة وآخرين يأتون لسنوات معينة ثم لا يعاودون الكرة مرة أخرى، وفي الفترة الماضية كان هناك مجموعة من أصحاب الخبرة في هذا المجال، لكن بمرور الوقت بدأوا يهجرونها لأسباب كثيرة لعل أبرزها عدم اهتمام الدولة بهذا العلاج حتى على الأقل من الناحية السياحية».


التاريخ يتحدث
وبعيدًا عن العلاج بالرمل، لا يمكن المرور على واحة الجغبوب دون التطرق إلى الجانب التاريخي، إذ اكتشفت في الواحة مقابر تعود لفترة ما قبل الميلاد بعد إجراء حفريات، والعثور على موميات في مناطق الفريدغة وعين بوزيد، ثبت أنها تعود لفترة 198 سنه قبل الميلاد.

والداخل لواحة الجغبوب تشده رؤية أثر آخر والمتمثل في الأسلاك الشائكة التي تركها الاستعمار الإيطالي كما يوجد بالواحة قصر الثنى والذي كانت تقطنه عائلة عاشت قبل 125 سنه للسيد محمد بن الحاج أمحمد الثنى الغدامسى وهو يجسد في منظره العام الطراز الغدامسى القديم.

كما يوجد بالمنطقة العديد من المواقع الايطالية القديمة (التوامج)، وعثر مؤخرا على حقيبة تحوى العديد من الوثائق والصور الخاصة بفترة تواجد القوات الايطالية بالمنطقة إبان الاحتلال الإيطالي لليبيا 1927.ومنطقة الجغبوب من المواقع التاريخية التي لازالت تحفظ العديد من المعلومات المفيدة حول الآثار القديمة منذ عصور المايوسين وما قبلها، ولعل وجود هذه الأصداف المتحجرة ماده جيده تحفظها المنطقة وتحتاج إلى حماية من العبث، وقد يستفاد منها تاريخيا وسياحيا وعلميا مما يؤكد أن هذه الواحة كانت مغمورة بالمياه وكانت تعيش بها العديد من الحيوانات البحرية.

وتشير الدراسات العلمية إلى أن وجود هذه الأصداف والنباتات المتحجرة يعود لطبقات الميوسين وهى محارات اوستريا ديجيتالينا(osttre) digialina) واوستريا فيرليتى (ostrea virleti) وكلاميس زيتلى ( chlamys zittelli) وغيرها وهناك نوع يشابه كلا ميس سبملفينا (chlamys submal vinae) وهى من الحفريات المعروفة بكثرتها في طبقات العصر الميوسينى، وهذه الطبقات تمتد من سيوه والجغبوب وجالو ثم جنوبا إلى نقطة تبعد 110 كم جنوبى جالو.

كما توجد بها الطواحين الهوائية التي تعود للعهد التركي وتجسد إرادة الإنسان واستفادته من العوامل الطبيعية والاستفادة من الرياح في تحريك الطواحين لطحن الغلال. كما تتمتع منطقة الجغبوب بالعديد من البحيرات الصحراوية ذات الأعماق الكبيرة وفي مقدمتها بحيرة الملفا التي تعتبر من اكبر البحيرات الصحراوية والتى يمكن أن تقام عليها منتجعاً سياحياً شاملا لمشفى حيث المياه ذات نسبه عاليه من الأملاح الصالحة لعلاج الفطريات فى الجسم – لذلك فان الاهتمام بهذه البحيرات وتشجيع قيام منتجعات عليها من الأولويات التي تساهم في تنشيط السياحة الصحراوية والعلمية، خاصة وأن بحيرة الملفا هي أكبر بحيرة صحراويه في ليبيا.

وللمزيد، قم تحميل العدد 45 من جريدة الوسط (ملف بصيغة PDF).

واحة الجغبوب.. ولكم في الرمال حياة
واحة الجغبوب.. ولكم في الرمال حياة
واحة الجغبوب.. ولكم في الرمال حياة
واحة الجغبوب.. ولكم في الرمال حياة
واحة الجغبوب.. ولكم في الرمال حياة
واحة الجغبوب.. ولكم في الرمال حياة

المزيد من بوابة الوسط

تعليقات

عناوين ذات صلة
النويري يدعو إلى تبني حلول وطنية وتحريك ملف المصالحة
النويري يدعو إلى تبني حلول وطنية وتحريك ملف المصالحة
«وسط الخبر» يستكشف مستقبل الأزمة بعد استقالة باتيلي
«وسط الخبر» يستكشف مستقبل الأزمة بعد استقالة باتيلي
نورلاند يثمن جهود باتيلي ويؤكد ضرورة الانتخابات في ليبيا
نورلاند يثمن جهود باتيلي ويؤكد ضرورة الانتخابات في ليبيا
داخل العدد 439: الحالة الليبية «تستنسخ نفسها».. وأزمة سيولة خانقة
داخل العدد 439: الحالة الليبية «تستنسخ نفسها».. وأزمة سيولة خانقة
«حكومات وولايات وتداعيات».. قناة «الوسط» تبث الحلقة الـ19 من «مئوية ليبيا» الجمعة
«حكومات وولايات وتداعيات».. قناة «الوسط» تبث الحلقة الـ19 من ...
المزيد
الاكثر تفضيلا في هذا القسم